للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فظهر بهذا أن قصد حفظ المال لا ينافي كون العقد قرضا. والحق أن عقد القرض وإن كان عقد تبرع من حيث إن المقرض لا يستحق شيئا فوق مقدار ما أقرضه، ولكنه عقد مالي يعتمد على مصلحة الجانبين، فقد تكون مصلحة المقرض أن يؤجر على قرضه في الآخرة فقط (وذلك في القروض التي تقدم إلى المحتاجين بقصد مساعدتهم) وقد تكون مصلحته أن يصير ماله دينا مضمونا على المستقرض، وهذه هي المصلحة التي تدعو الناس إلى إيداع أموالهم في البنوك، ولولا هذه المصلحة لما رجعوا إلى البنوك لحفظ أموالهم. فتبين أنهم يقصدون الإقراض، غير أنهم في عامة الأحوال لا يعرفون أن ما يقصدونه يسمى إقراضا في الاصطلاح الفقهي، فلا يطلقون عليه كلمة الإقراض.

وقد يقال: إن الودائع المصرفية من الحساب الجاري ليست قروضا، وإنما هي وديعة فقهية، غير أن أصحابها قد أذنوا للبنك بخلطها بالأموال الأخرى، واستخدامها لصالحهم، وإن مجرد هذا الإذن لا يخرجها من كونها وديعة، ولكن هذا التكييف لا يصح فقها. وذلك لأن صاحب المال إذا أذن للمودع بخلط الوديعة بماله، فإن العقد ينقلب إلى شركة الملك، ويصير المال المخلوط مشتركا بينهما، كما صرح به الفقهاء. (١) .ومعلوم أن يد الشريك على مال شريكه يد أمانة، فينبغي أن لا يكون ضامنا لما هلك بغير تعد منه.

ولكن أصحاب الأموال الذين يودعون أموالهم في البنك لا يرضون أبدا بأن تكون يد البنك على أموالهم يد أمانة، وإنما يقصدون أن تكون هذه الأموال مضمونة عليه. فتبين أنهم لا يقصدون عقد الوديعة إطلاقا، وإنما يقصدون الإقراض.

فثبت بهذا أن الودائع المصرفية في البنوك التقليدية، بأنواعها الثلاثة، كلها قروض يقدمها أصحاب الأموال إلى البنك، فتجري عليها جميع أحكام القرض.


(١) راجع الدر المختار مع رد المحتار لابن عابدين ٦/٦٦٩ طبع كراتشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>