وبعد وضوح حقيقة هذه الودائع، وثبوت كونها قروضا، ننتقل إلى السؤال الثاني، وهو هل يجوز للمسلمين أن يودعوا أموالهم في البنوك التقليدية التي تعمل في إطار ربوي؟
أما الودائع الثابتة، وودائع التوفير، فإن البنك يدفع فائدة مضمونة لأصحابها. وبما أن هذه الودائع قروض بلا خلاف، فما تدفعه البنوك زيادة على رأس المال، فإنه ربا صراح لا سبيل إلى جوازه. وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي في ذلك قرارا في دورته الثانية، فمن يتقدم إلى البنك لإيداع أمواله في هذين النوعين فإنه يعقد معه عقد قرض ربوي، وذلك حرام، فلا يجوز لمسلم أن يودع ماله في أحد من هذين النوعين.
وقد ذهب بعض العلماء المعاصرين إلى أنه يجوز للمسلم أن يودع أمواله في هذين النوعين، ولكن لا يجوز له أن يستعمل الفوائد الحاصلة منها لصالحه بل يتصدق بها على الفقراء، أو يصرفها في وجوه الخير.
ولسنا نؤيد هذا الرأي، وذلك لأن الإيداع في البنوك من أجل الحصول على الفوائد، ولو كان بنية صرفها في وجوه البر، دخول في معاملة ربوية، وهو حرام بالنص. وإن الصرف في وجوه البر طريق يلجأ إليه التائب من الذنب لاستخلاص رقبته من الكسب الخبيث الذي اكتسبه بطريق غير مشروع، إما لكونه جاهلا عن كونه غير مشروع، أو لكونه لا يهتم بالتزام الشريعة في معاملاته التجارية أو المالية. إما أن يختار رجل ملتزم بالشريعة هذا الطريق المحظور لصرف كسبه الخبيث إلى وجوه البر، فإنه مثل أن يقترف الإنسان إثما بنية أن يتوب منه، وإن المفروض من المسلم أن لا يقارف ذنبا حتى يحتاج كفارته.