للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إن الإعانة على المعصية حرام مطلقا بنص القرآن، أعني قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢] وقوله تعالى: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:١٧] ولكن الإعانة حقيقة هي ما قامت المعصية بعين فعل المعين، ولا يتحقق إلا بنية الإعانة أو التصريح بها، أو تعينها في استعمال هذا الشيء، بحيث لا يحتمل غير المعصية، وما لم تقم المعصية بعينه لم يكن من الإعانة حقيقة، بل من التسبب. ومن أطلق عليه لفظ الإعانة فقد تجوز، لكونه صورة إعانة، كما مر من السير الكبير.

ثم السبب إن كان سببا محركا وداعيا إلى المعصية، فالتسبب فيه حرام، كالإعانة على المعصية بنص القرآن كقوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنعام: ١٠٨] وقوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: ٣٢] وقوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ} [الأحزاب:٣٣] . وإن لم يكن محركا وداعيا، بل موصلا محضا، وهو مع ذلك سبب قريب بحيث لا يحتاج في إقامة المعصية به إلى إحداث صنعة من الفاعل، كبيع السلاح من أهل الفتنة، وبيع العصير ممن يتخذه خمرا، وبيع الأمرد ممن يعصي به، وإجارة البيت ممن يبيع فيه الخمر، أو يتخذها كنيسة أو بيت نار وأمثالها، فكله مكروه تحريما، بشرط أن يعلم به البائع والآجر من دون تصريح به باللسان، فإنه إن لم يعلم كان معذورا، وإن علم وصرح كان داخلا في الإعانة المحرمة.

وإن كان سببا بعيدا، بحيث لا يفضي إلى المعصية على حالته الموجودة، بل يحتاج إلى إحداث صنعة فيه، كبيع الحديد من أهل الفتنة وأمثالها، فتكره تنزيها) . (١)

وقد تحدث رحمه الله تعالى عن هذه المسألة في مقالة أردية له بأوضح مما ههنا، وإليكم ترجمته مع تلخيص من عندي:

(إن أخذنا التسبب بمعناه العام، فلن يبقى عمل مباح على وجه الأرض. فإن زراعة الحبوب الغذائية والثمار يسبب النفع لأعداء الله، وكذلك من ينسج الثياب، فإنه يهيئ لباسا للبر والفاجر، وربما يستعمله الفاجر في فجوره ... فلا بد إذن من الفرق بين السبب القريب والبعيد. فالسبب البعيد لا حرمة فيه.


(١) أحكام القرآن، للشيخ المفتي محمد شفيع رحمه الله ٣:٧٤؛ وجواهر الفقه ٢:٤٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>