أما الإيداع في الحساب الجاري من البنوك الربوية، فقد أسلفنا أن البنوك لا تدفع للمودعين في هذا الحساب أية فائدة، فالإيداع فيه لا يستلزم الدخول في عقد قرض ربوي. فينبغي أن يجوز من هذه الجهة، ولكن قد يستشكله بعض العلماء المعاصرين بأنه وإن لم يكن قرضا ربويا، ولكن فيه إعانة للبنك في المعاملات الربوية؛ لأن من المعلوم أن البنك الربوي لا يمسك هذه الودائع جامدة، وإنما يستثمرها في القروض الربوية، فيصير المودع للبنك في ممارسته الربوية.
ولكن هذا الإشكال يمكن أن يزال بوجوه:
١- إن المعمول به في جميع المصارف أن البنك لا يصرف جميع ودائع الحساب الجاري في إنجاز أعماله، وإنما يمسك منها نسبة كبيرة ليمكن له تجاوب متطلبات المودعين كل يوم، وبما أن الودائع كلها مختلطة بعضها ببعض، فلا يمكن الجزم لمودع واحد أن ودائعه مصروفة في معاملة ربوية.
٢- إن للبنك مصاريف كثيرة، وليست جميع هذه المصاريف محظورة شرعا، فمنها ما لا حرمة فيها، ولا يمكن الجزم لمودع ما أن وديعته تستخدم لمصروف لا يحل.
٣- إن القرض اللاربوي عقد جائز شرعا، وإن النقود لا تتعين بالتعيين في العقود الصحيحة، كما تقرر في محله، وإن النقود التي أودعها أحد في الحساب الجاري للبنك لم تعد ملكا له، وإنما صارت ملكا للبنك بحكم الإقراض، فتصرف البنك في تلك النقود ليس تصرفا في ملك المودع، وإنما هو تصرف في ملكه، فلا ينسب هذا التصرف إلى المودع.
٤- إن الإعانة على المعصية، وإن كانت حراما، ولكن لها ضوابط ذكرها الفقهاء، وليس هذا موضع بسطها (١) ، ولوالدى العلامة المفتي محمد شفيع رحمه الله تعالى في ذلك رسالة مستقلة جمع فيها النصوص الفقهية الواردة في مسألة الإعانة، ثم توصل إلى تنقيح الضابط فيها بما يلي:
(١) وليرجع عند الحاجة الدر المختار مع رد المحتار ٥/٢٧٢ وما بعدها؛ وتكملة فتح القدير ٨/١٢٧ لمذهب الحنفية؛ وراجع شرح المهذب ٩/٣٩١ ونهاية المحتاج ٣/٤٥٤ وما بعده، وحواشي الشرواني على تحفة المحتاج ٤/٣١٧ لمذهب الشافعية؛ والمبدع لابن مفلح ٤/٤٢ لمذهب الحنابلة؛ والفرق للقرافي ٢/٣٣ لمذهب المالكية؛ وراجع أيضا نيل الأوطار للشوكاني٥/١٥٤