آتي لمسألتين مهمتين أرجو أن ينظر إليهما هذا المجمع الكريم بجدية كبيرة.
المسألة الأولى: توجيه أو التخريج الشرعي للودائع في الحساب الجاري. أنا أقول: إن من المقنع تماما ما صدرت به الآراء وما يتجه إليه جمهور علمائنا وفقهائنا من أن الوديعة بالحساب الجاري هي قرض؛ ولأنها مضمونة فهي بمعنى القرض تماما، هذا كلام مقنع وصحيح ولكن هذا الكلام –في نظري- يغفل مسألة مهمة بل هي في غاية الأهمية، وهي مسألة العدالة في البنك الإسلامي. البنك الإسلامي يتلقى أمواله من ثلاث مصادر رئيسية. المصدر الأول رأس المال من المساهمين. والمصدر الثاني: الودائع الاستثمارية، والمصدر الثالث: الودائع بالحساب الجاري. بالنسبة للودائع بالحساب الجاري لو نظرنا في ورقة الدكتور حسين فهمي نفسها للاحظنا أن الودائع بالحساب الجاري تشكل مبالغ كبيرة في العادة وهي في البنوك الربوية أكثر أيضا، فهي عدة أضعاف رأس المال. فبعض البنوك الإسلامية التي ذكرها في هذا الجدول نسبة الودائع إلى رأس المال –في الحساب الجاري- (١٦ إلى ١) أو أنها نسبة (١٢ إلى ١) أو (٥ إلى ١) أو (٤ إلى ١) هي نسبة عالية جدا في العادة. هذه الودائع لو كانت مضمونة فهي قروض يستعملها أصحاب رأس المال ويكسبون أرباحها. فنحن بهذا أتحنا لأصحاب رأس المال في البنك الإسلامي أن يستثمر مالا هو خمسة أضعاف رأس ماله أو ستة عشر ضعفا لرأس المال أو اثني عشر ضعف رأس ماله ويأخذ أرباح هذه الأموال فقط بحجة أنه ضامن لها، صحيح ضامن لها، لو أفلس هذا البنك لما استطاع أن يفي بهذا الضمان؛ لأن رأس ماله لا يكفي للوفاء بالضمان. دعنا من هذا، هل يرغب الناس بشرط الضمان هذا؟ وهل هم مقتنعون به جدا؟ هل هناك مصلحة عملية من شرط الضمان؟ لنأخذ مثالا، هناك بنك لم يذكره الأخ الدكتور حسين فهمي في هذا الجدول، هناك بنك فيصل الإسلامي المصري الذي كان يعمل فيه، هذا البنك سهل السحب والإيداع في حساب الودائع الاستثمارية وهي مضاربة، جعل السحب والإيداع فيها سهلا، فكان نتيجة ذلك أن أقبل الناس على إيداع أموالهم في ودائع الاستثمار وأحجموا عن وضعها في الحسابات الجارية. إذن الناس يقدرون سهولة السحب والإيداع أكثر من شرط الضمان. الذي أقترحه من منطلق العدالة أن ينظر هذا المجمع الكريم بمصلحة الأمة ومصلحة المودعين ويقول مثلا: إنه ينبغي أن يكون لدى البنوك الإسلامية نوعان من الحسابات الجارية المهم فيهما أن السحب والإيداع ميسر فيهما، نوع يقوم على أساس القرض فهو مضمون لمن يرغب بذلك ونوع آخر يقوم على أساس المضاربة وليس فيه شرط ضمان وهو معرض للخسارة كما هي الودائع الاستثمارية، الفرق بينه وبين الودائع الاستثمارية أن السحب في هذا النوع من الحساب ميسر، وفي ظني وفي نظري وفي تجربة بنك فيصل الإسلامي المصري أننا لو فعلنا ذلك لأقبل الناس على ذلك النوع من الحساب بدلا من الحساب الجاري القائم على أساس القرض ولكانت أرباحه لهم، صحيح أن الفارق المهم والكبير فيه أن نسبة الاحتياطي النقدي ينبغي أن تكون عالية بسبب تيسير السحب والإيداع في هذا الحساب.