والذي يظهر أن هذا الفرق الذي ذكره الزركشي بين الصورتين غير مؤثر في اختلاف الحكم؛ ويدل على ذلك ما صرح به نفسه، وصرح به غيره من علماء الشافعية، فيما نقلناه سابقًا، أن صاحب الفعل الأول لو كان حيوانًا مفترسًا، وأخرج حشوة المقتولة وأبانها فإن القتل لا يضاف إلى أي صاحب فعل لاحق، مهما كان. وإضافة الفعل الأول إلى حيوان مفترس لا يختلف من حيث النتيجة عن إضافته إلى أي حادث سماوي، يوصل الشخص إلى النتيجة نفسها، كانهيار بيت عليه مثلًا ونحو ذلك.
ولكن المعنى المعقول الذي يمكن أن يفرق به بين الصورتين هو مدى التحقق من وصول الشخص إلى الحياة غير المستقرة التي يتيقن من عدم إمكان انعكاسها إلى حياة مستقرة. ومظاهر النزع في عهد أولئك الفقهاء لم تكن كافية لتغليب الظن –فضلًا عن التيقن- على أن المريض قد انتقل فعلًا إلى مرحلة عيش المذبوح، كما سموه؛ بدليل أن حالات كثيرة يوصف فيها الشخص بأنه وصل إلى حالة النزع الأخير ثم يتجاوزها ويعيش إلى ما شاء الله تعالى.
وإذا كان هذا هو الفرق الحقيقي بين الصورتين السابقتين، فإنه لا يؤثر على فهمنا السابق لموقف الفقهاء من تحديد زمن الوفاة في مسألة الاشتراك على التتابع في جريمة القتل بل يؤيده ويقويه.
خلاصة تصور علماء الشريعة عن الروح وعلاقتها بالجسد:-
وخلاصة ما تقدم من بيان حول دور العلماء المسلمين في مسألة الروح وعلاقتها بالبدن الإنساني:
أن الإنسان في تصورهم جسد وروح، ولا يكتسب وصف الإنسانية بواحد من العنصرين دون الآخر.
وأن الجسد مسكن الروح في هذه الدنيا طوال فترة الحياة المقررة للإنسان.
وأن العلم والإدراك والحس والاختيار أهم وظائف الروح.
وأن وظيفة الجسد بكل ما فيه من أعضاء وأجهزة وأنظمة، خدمة الروح والانفعال لتوجيهاتها، وليس له وظيفة أخرى في فترة حياة الإنسان.
وأن الروح تقوم بجانب كبير من وظائفها بواسطة الجسد، وتقوم بجانب آخر بدون وساطته.