للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الذي ذهب إليه الفقهاء في هذه المسألة يشير إلى أنهم اعتبروا فقدان الإحساس والحركة الاختيارية علامات تورث غلبة الظن بوصول المجني عليه إلى مرحلة الموت، وأن الحركة الاضطرارية الصادرة عن المجني عليه لا تعطي غلبة الظن ببقاء الروح في الجسد إذا كانت وحدها، ولم تقترن بأي نوع من الإحساس أو الحركة الاختيارية، وإلا لجعلوا القصاص من نصيب الجاني الثاني، إذ يكون فعله القاتل واردًا على جسد فيه روح. ولعلهم في هذا تأثروا بما قرره علماء الطائفة الأولى أمثال ابن القيم والغزالي من أن الروح ترحل عن جسد صاحبها في اللحظة التي يصبح فيها الجسد عاجزًا عن الانفعال للروح بأي نوع من الإحساس أو الاختيار.

هذا وإن من مقتضى الأمانة العلمية في عرض مذهب الفقهاء في هذه القضية، أن نشير إلى مسألة يمكن أن ترد على ما استنتجناه من أقوال الفقهاء في صورة الاشتراك في جريمة القتل على التتابع، وتشكك في قوته.. وهذا المسألة هي أن المجني عليه إذا كان قد صار إلى مرحلة الحياة غير المستقرة بسبب مرض، لا بسبب جناية، أو فعل حيوان مفترس، كما لو صار إلى مرحلة النزع، فأجهز عليه مجرم وهو في هذه الحالة؛ فإن جمهور الفقهاء يذهبون إلى إيجاب القصاص على هذا المجرم؛ حتى قال الزركشي (إن المريض لو انتهى إلى سكرات الموت، وبدت مخايله لا يحكم له بالموت، حتى يجب القصاص على قاتله..) (١)

وفرق الزركشي بين حالة ورود الجناية على الجناية، وبيَّن هذه الحالة، أن هذه لا يوجد فيها سبب يحال عليه الهلاك، بخلاف الحالة الأولى. (٢)


(١) المنثور في القواعد جـ ٢ ص ١٠٦
(٢) المنثور في القواعد جـ ٢ ص ١٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>