للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الجواب على هذا السؤال، وتحديد القاتل في نوع هذه المسائل يكاد الفقهاء يجمعون على قاعدة أساسها النظر إلى الحالة التي صار إليها المجني عليه، بسبب الفعل الأول، وقبل ورود الفعل الثاني عليه، فإن صار إلى وضع يفقد فيه كل إحساس من إبصار ونطق وغيرهما، وكل حركة اختيارية إلى غير رجعة، كان صاحب الفعل الأول هو القاتل الذي يستحق القصاص، وصاحب الفعل الثاني –مهما كان- يعزر ولا يقتص منه، وأما إذا صيره الفعل الأول إلى حالة لا يفقد معها كل إحساس وكل حركة اختيارية، كان صاحب الفعل الثاني هو القاتل الذي يستحق القصاص، ولزيادة هذه المسألة وضوحًا نثبت فيما يلي بعض النصوص الفقهية:

يقول بدر الدين الزركشي (الحياة المستقرة هي أن تكون الروح في الجسد ومعها الحركة الاختيارية، دون الاضطرارية، كما لو كان إنسان، وأخرج الجاني أو حيوان مفترس حشوته وأبانها، لا يجب القصاص في هذه الحالة.. ولو طعن إنسان وقطع بموته بعد ساعة أو يوم، وقتله إنسان في هذه الحالة وجب القصاص، لأن حياته مستقرة، وحركته الاختيارية موجودة؛ ولهذا أمضوا وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بخلاف ما إذا أبنيت الحشوة، لأن مجاري النفس قد ذهبت وصارت الحركة اضطرارية.

وأما حياة عيش المذبوح، فهي التي لا يبقى معها إبصار ولا نطق ولا حركة اختيارية ... ) (١)

وقال الرملي (وإن أنهاه –أي المجني عليه- رجل إلى حركة مذبوح، بأن لم يبق فيه إبصار ونطق وحركة اختيار، وهي –أي حركة الاختيار- المستقرة التي يبقى معها الإدراك، ويقطع بموته بعد يوم أو أيام، ثم جنى عليه آخر فالأول قاتل، لأنه صيره إلى حالة الموت، ومن ثم أعطى حكم الأموات مطلقًا ويعزر الثاني، لهتكه حرمة ميت ... ) وقال الشبراملسي (ظاهر إطلاقهم عدم الضمان على الثاني أنه لا فرق في فعل الأول بين كونه عمدًا أو خطأ أو شبه عمد، بل عدم الفرق بين كونه مضمونًا أو غير مضمون، كما لو أنهاه سبع إلى تلك الحركة فقتله آخر، ويلحق بالحياة المستقرة حياة من شك في موته) ثم قال الرملي (ويرجع فيمن شك في وصوله إلى حالة الحياة غير المستقرة إلى عدلين خبيرين ... ) (٢)


(١) المنثور في القواعد – بدر الدين الزركشي جـ ٢ ص ١٠٥ وما بعدها نشر وزارة الأوقاف - الكويت - الطبعة الأولى سنة ١٤٠٢ هـ / ١٩٨٢ م
(٢) انظر هذه الأقوال في نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي عليه جـ ٨ ص ١٥، ١٦، وانظر أيضًا قريبًا مما ذكر: المهذب – أبو إسحاق الشيرازي جـ ٢ ص ١٧٤، ١٧٥ – مطبعة عيسى البابي الحلبي – مصر، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد جـ ٩ ص ٤٥١، ٤٥٢- علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي –تحقيق محمد حامد الفقي- الطبعة الأولى سنة ١٣٧٧هـ/ ١٩٥٧م، والجريمة للشيخ محمد أبو زهرة ص ٤٠٤ هـ طبع دار الفكر العربي، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم جـ ٨ ص ٣٣٥، طبع بيروت –دار المعرفة- الطبعة الثانية، والأم – الشافعي - جـ ٦ ص ٢٠، ٢١- طبعة مصورة عن طبعة بولاق ١٣٢١هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>