للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنتيجة التي نخرج بها من أقوال هؤلاء العلماء أن حياة الإنسان في هذه الدنيا تنتهي عندما يغدو الجسد الإنساني عاجزًا عن خدمة الروح والانفعال لها، ومعنى هذه النتيجة أن العلم إذا استطاع أن يعرف اللحظة التي يصبح فيها الجسد عاجزًا عن القيام بكافة وظائفه الإرادية بصورة نهائية، فقد وصل إلى الجواب عن السؤال: متى تنتهي الحياة الإنسانية؟

هـ- ذلك هو فهم طائفة من علماء المسلمين حول علامات رحيل الروح الإنسانية عن بدن الإنسان، لم ينطلقوا في بحثهم من حاجتهم إلى استنباط أحكام فقهية لتصرفات إنسانية لها علاقة بنهاية الحياة، ولكن من منطلق الحاجة إلى معرفة حقيقة الإنسان من خلال المعلومات التي حصلوها من النصوص والحقائق الشرعية، فماذا كان موقف العلماء الذين سخروا طاقاتهم للبحث عن الأحكام العملية الشرعية، وهم الفقهاء؟ ألم يتعرضوا لحاجات واقعية ومواقف عملية اضطرتهم لإظهار رأيهم في هذه القضية بحسم ووضوح؟

الواقع أن استخراج رأي الفقهاء في هذه المسألة من أصعب الأمور، والذي يظهر أن معظم القضايا الواقعية التي تعرضوا لها في هذا المجال لم تكن كافية لتضطرهم إلى البحث عن نهاية الحياة الإنسانية بدقة وتحديد، وإنما كفاهم فيها الصورة الواضحة القاطعة لهذه النهاية والتي يندرج ضمنها النهاية الحقيقية وجزء من الزمن يمر عليها في حالات الوفاة، وهي الصورة المشاهدة المعلومة لمعظم الناس، عالمهم وجاهلهم، فبنوا أحكامهم عليها، سواء ما تعلق منها بجسد الميت من غسل وتكفين وصلاة ودفن وغير ذلك، وما تعلق منها بالحقوق التي كانت له قبل الوفاة، من نفوذ وصية وقسمة تركة، وما تعلق بالواجبات التي تفرض على زوجة المتوفى كالعدة، والفرق في النتيجة بين بناء هذه الأحكام على لحظة الوفاة الحقيقية، وبين بنائها على زمن الوفاة المتضمن تلك اللحظة وسويعات أخر، ليس بكبير.

وبالرغم من أن هذا هو حال معظم القضايا المتعلقة بنهاية حياة الإنسان، فإن الفقهاء تعرضوا لمسألة وجدوا فيها أنفسهم مضطرين للبحث عن الزمن الدقيق الذي حصلت فيه الوفاة، وتحصيل غلبة الظن فيه، وبناء الأحكام عليه، وذلك التماسًا لتحقيق العدل في توزيع مسؤوليات خطيرة، يترتب على الخطأ فيه إهدار أرواح لا تستحق الموت، وإفلات أرواح مجرمة من العقوبة العادلة، وهذه هي مسألة الاشتراك في القتل العمد على التتابع، وصورتها: أن يعتدي مجرم على شخص ويتركه في حالة خطيرة، ثم يأتي مجرم آخر، ويجهز على المجني عليه، فمن منهما يعتبر قاتلًا ويستحق القصاص؟

<<  <  ج: ص:  >  >>