للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا ابن قيم الجوزية يعرف الروح (بأنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جنس نوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكًا لهذه الأعضاء، وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية، وإذا فسدت هذه الأعضاء، بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجت عن قبول تلك الآثار، فارق الروح البدن، وانفصل إلى عالم الأرواح، ثم عقب على ذلك بقوله (وهذا القول هو الصواب في المسألة، وهو الذي لا يصح غيره، وكل الأقوال سواء باطلة، وعليه دل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة ... ) ، ثم ساق على هذا المذهب في تعريف الروح وعلاقتها بالجسد الإنساني مائة وستة عشر دليلًا من القرآن والسنة والمعقول، وأجاب بعد ذلك على اثنتين وعشرين شبهة أوردها المخالفون عليه (١) وممن تبنى مذهب ابن القيم في الروح شارح العقيدة الطحاوية والشيخ محمود السبكي (٢)

ومذهبه هذا فيه شبه كبير مما ذهب إليه أبو حامد الغزالي في تفسير الموت، ودور الروح فيه؛ حيث قال (معنى مفارقة الروح للجسد انقطاع تصرفها عن الجسد بخروج الجسد عن طاعتها، فإن الأعضاء آلات الروح تستعملها، حتى إنها لتبطش باليد وتسمع بالأذن، وتبصر بالعين، وتعلم حقيقة الأشياء بنفسها.. وإنما تعطل الجسد بالموت يضاهي تعطل أعضاء الزمن بفساد مزاج يقع فيه، وبشدة تقع في الأعصاب تمنع نفوذ الروح فيها، فتكون الروح العالمة العاقلة المدركة باقية مستعملة لبعض الأعضاء، وقد استعصى عليها بعضها. والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها، وكل الأعضاء آلات، والروح هي المستعملة لها.. ومعنى الموت انقطاع تصرفها عن البدن، وخروج البدن عن أن تكون آلة له، كما أن معنى الزمانة خروج اليد على أن تكون آلة مستعملة، فالموت زمانة مطلقة في الأعضاء كلها..) (٣)


(١) الروح ص ٢٤٢- ٢٩٠
(٢) شرح العقيدة الطحاوية ص ٣٨١، الدين الخالص –محمود السبكي جـ ٧ ص ١٨٦ طبع سنة ١٣٦٨هـ
(٣) إحياء علوم الدين جـ ٤ ص ٤٩٤

<<  <  ج: ص:  >  >>