للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرى بعض العلماء أن جانبًا من مدركات الروح يحصل لها بواسطة أعضاء الجسد وأجهزته المختلفة، وجانبًا آخر منها يحصل لها من غير توقف على الجسد، كالتألم بأنواع الحزن والغم والكمد، والتنعم بأنواع الفرح والسرور؛ فإن عمل الروح المتعلق بهذه المعاني لا يتوقف على توظيفها لأي عضو من أعضاء الإنسان، وإنما تقوم به الروح بنفسها. (١)

جـ- ويرى العلماء أن الروح تؤثر في البدن الإنساني، وأن من أهم آثارها الحركة الاختيارية، وأن كل نشاط اختياري يقوم به الإنسان هو أثر من آثار الروح، وأن كل ما في العالم من الآثار الإنسانية إنما هو من تأثير الأرواح بواسطة الأبدان التي تعلقت بها؛ فالأبدان آلات للأرواح وجنود لها. (٢)

ويفهم من ذلك أن العلماء المسلمين يرون أن الحركة الاضطرارية التي لا اختيار فيها ليست أثرًا من آثار الروح. وبما أنا الحركة الذاتية لا يمكن صدورها عن جماد، وإن كانت هذه الحركة اضطرارية، فإنه لا مناص من الاعتراف بوجود نوع من الحياة وراء كل حركة اضطرارية يقوم بها الجسد الإنساني بنفسه، أي بغير تحريكه بمحرك خارج عنه. ولعل هذه هي الحياة التي خلقها الله عز وجل في الجسد الإنساني قبل نفخ الروح، وجعلها في خدمة الروح بعد نفخها، وقد تبقى في بعض أعضاء الجسد بعد مفارقة الروح لها، وهي التي سماها بعض علماء الطب بالحياة الخلوية، وشبهها بعض علماء الإسلام بحياة النبات كما تقدم. ومقتضى ما تقدم من تصورهم لوظائف الروح أن الحركة الاضطرارية الناشئة عن هذا النوع من الحياة ليس فيها دلالة على وجود الروح الإنسانية.

د- ومع أن علماء الإسلام لم يحددوا اللحظة التي يفارق فيها الروح بدن الإنسان، لكن الذين بحثوا في هذه القضية، منهم أشاروا بصورة واضحة إلى قاعدة، سنرى مدى فاعليتها في تحديد زمن مفارقة الروح للبدن، إذا ما جمعت مع الاكتشافات الطبية الحديثة؛ ذلك أنهم أكدوا أن ملازمة الروح للجسد الإنساني مرهونة بصلاحية هذا الجسد لخدمة هذه الروح، وتنفيذ أوامرها وقبول آثارها، وأن الله عز وجل قد كتب عليها أن تفارق مسكنها المؤقت، وهو جسد الإنسان عندما يغدو عاجزًا عن القيام بتلك الوظائف.


(١) إحياء علوم الدين جـ ٤ ص ٤٩٤، الروح ص ٢٨٦، ٢٨٧
(٢) الروح ص ٢٤٢، ٢٨٥، شرح العقيدة الطحاوية ص ٣٨١ الطبعة الثالثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>