للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استلهام المبدأين السابقين في البحث عن نهاية الحياة الإنسانية:

فإذا سلم لنا المبدآن السابقان أمكننا استخدامهما في استثمار ما توصل إليه العلماء المسلمون من خلال النظر في النصوص الشرعية حول الروح، وما توصل إليه أهل الاختصاص من الأطباء بالنظر في واقع الكيان الإنساني، للخروج بنوع من غلبة الظن في تحديد نهاية الحياة الإنسانية يمكن أن تجعل أساسًا لبناء الأحكام الضرورية، وذلك على النحو الآتي:

أولًا- الدور الذي قام به علماء الشريعة:

من خلال النظر في كثير من نصوص الشرع استطاع علماء الإسلام تحصيل تصور معين عن الروح، التي تنفخ بإذن الرب تبارك وتعالى في بدن الإنسان، أهم معالمه ما يلي:

أ- أن الروح مخلوق من المخلوقات، ينشئها الخالق في الجسد الذي يريد خلقه إنسانًا، يشير إلى هذا قول ابن قيم الجوزية (يرسل الله سبحانه الملك إلى الجسد، فينفخ فيه نفخة تحدث له الروح بواسطة تلك النفخة فتكون النفخة هي سبب حصول الروح وحدثوها له، كما كان الوطء والإنزال سبب تكوين جسمه، والغذاء سبب نموه، فمادة الروح من نفخة الملك ومادة الجسم من صب الماء في الرحم، فهذه مادة سماوية، وهذه مادة أرضية.. الملك أب لروحه، والتراب أب لبدنه وجسمه) (١)

ب- إن من أهم وظائف الروح العلم والإدراك؛ بهذا عرَّفها من تعرَّض لتعريفها من العلماء؛ فهذا الجرجاني يعرف الروح الإنسانية "بأنها اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان الراكبة على الروح الحيواني نازل من عالم الأمر، تعجز العقول عن إدراك كنهه. وتلك الروح قد تكون مجردة وقد تكون منطبقة في البدن" (٢) وأبو حامد الغزالي يعرفها بقريب من هذا فيقول: "الروح هي المعنى الذي يدرك من الإنسان العلوم وآلام الغموم ولذات الأفراح" (٣)

وبناء على هذا التصور لوظيفة الروح، فإنها هي التي تدرك مختلف المعاني التي يمكن إدراكها، فهي التي تدرك العلوم ونتائج تحليلها، فتتعلم وتستنبط الجزئيات من الكليات، والكليات من الفروع وغير ذلك، وهي التي تدرك مختلف المعاني من ألم ولذة وفرح وحزن، وهي التي ترضى وتغضب وتنعم وتيأس، وتغتر وتحب وتكره، وتعرف وتنكر ...


(١) الروح ص ١٩٩ طبع بيروت- سنة ١٤٠٢ هـ/ ١٩٨٢م.
(٢) التعريفات ص ٩٩ طبع الحلبي سنة ١٣٥٧هـ / ١٩٣٨م
(٣) إحياء علوم الدين أبو حامد الغزالي جـ ٤ ص ٤٩٤ طبع بيروت دار المعرفة

<<  <  ج: ص:  >  >>