للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم الاستثمار:

الذي يظهر من النصوص الشرعية ومقاصدها العامة أن الاستثمار واجب في مجموعه، أي أنه لا يجوز للأمة أن تترك الاستثمار.

* ذلك لأن النصوص الثابتة في أهمية المال في حياة الفرد والأمة، وتقديم المال على النفس في معظم الآيات وامتنان الله تعالى بالمال، والمساواة بين المجاهدين، والساعين في سبيل الرزق كما في آخر سورة المزمل، وتسمية العامل والتاجر بالمجاهد في سبيل الله في أحاديث كثيرة ... كل ذلك يدل بوضوح على وجوب العناية بالمال وتثميره وتقويته حتى تكون الأمة قادرة على الجهاد والبناء والمعرفة والتقدم والتطور والسعادة والنهضة والحضارة، حيث إن ذلك لا يتحقق إلا بالمال كما يقول الله تعالى {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} [النساء: ٥] .

فقد سمى الله تعالى المال بأنه قيام للمجتمع الإسلامي، وهذا يعني أن المجتمع لا يقوم إلا به ولا يتحرك إلا به ولا ينهض إلا به، كما أن قوله تعالى {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} [النساء:٥] ولم يقل "منها" يدل بوضوح على وجوب الاستثمار حتى تكون نفقة هؤلاء المحجور عليهم (من الأطفال والمجانين) في الأرباح المتحققة من الاستثمار وليست من رأس المال نفسه.

يقول الإمام الرازي: "اعلم أنه تعالى أمر المكلفين في مواضع من كتابه بحفظ الأموال"، قال تعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: ٢٦ – ٢٧] وقال تعالى {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: ٢٩] وقال تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: ٦٧] وقد رغب الله في حفظ المال في آية المداينة حيث أمر بالكتابة والإشهاد والرهن، والعقل يؤيد ذلك؛ لأن الإنسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بتحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ولا يكون فارغ البال إلا بواسطة المال ثم قال: "وإنما قال: "فيها" ولم يقل "منها" لئلا يكون ذلك أمراً بأن يجعلوا بعض أموالهم رزقاً لهم، بل أمرهم أن يجعلوا أمواله مكاناً لرزقهم بأن يتجروا فيها ويثمروها فيجعلوها أرزاقهم من الأرباح، لا من أصول الأموال...." (١)

* ومن الأدلة المعتبرة أن وجوب الزكاة في الأموال يدفع أصحابها إلى التجارة؛ لأنه إن لم يتاجروا فيها تأكلها الصدقة والنفقة، وهذا ما يؤيده الفكر الاقتصادي الحديث حيث يفرض أنواعاً من الضرائب لدفع أصحاب الأموال إلى عدم اكتنازها، بل قد وردت أحاديث تصل بمجموعها إلى درجة الصحيح أو الحسن الذي ينهض به حجة على وجوب التجارة في أموال الصغار (اليتامى وغيرهم) والمحجور عليهم: السفهاء، والمجانين، وناقصي الأهلية. فقد روى الشافعي بإسناده عن يوسف بن ماهك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ابتغوا في مال اليتيم –أو في أموال اليتامى - لا تذهبها- أو لا تستهلكها- الصدقة)) وقد قال البيهقي والنووي: "إسناده صحيح، ولكنه مرسل معضد بعموم النصوص الأخرى وبما صح عن الصحابة من إيجاب الزكاة في مال اليتيم" (٢)


(١) التفسير الكبير ٩/١٨٦، ط. دار إحياء التراث العربي – بيروت-.
(٢) السنن الكبرى للبيهقي ٤/١٠٧ ط. الهند؛ والمجموع للنووي ٥/٣٢٩ ط. شركة كبار العلماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>