للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال البيهقي: "وهذا –أي حديث ابن ماهك- مرسل إلا أنا الشافعي –رحمه الله- أكده بالاستدلال بالخبر الأول –وهو عموم الحديث الصحيح في إيجاب الزكاة مطلقاً- وبما روى عن الصحابة في ذلك" (١)

وقال النووي: "ورواه البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفاً عليه بلفظ: "وابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة" وقال: إسناده صحيح، ورواه أيضاً عن علي بن مطرف ... " (٢)

- وروى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة)) قال الهيثمي في مجمع الزوائد نقلاً عن شيخه الحافظ العراقي: "إن إسناده صحيح" (٣)

يقول فضيلة الشيخ القرضاوي: "إن الأحاديث والآثار قد نبهت الأوصياء على وجوب تثمير أموال اليتامى حتى لا تلتهمها الزكاة...." فواجب على القائمين بأمر اليتامى أن ينموا أموالهم كما يجب عليهم أن يخرجوا الزكاة عنها، نعم إن في هذين الحديثين (أي حديث عمرو بن شعيب المرفوع وحديث يوسف بن ماهك) ضعفاً من جهة السند، أو الاتصال ولكن يقويهما عدة أمور. وذكر منها: " أنه يوافق منهج الإسلام العام في اقتصاده القائم على إيجاب التثمير وتحريم الكنز" (٤)

* وكذلك يدل على وجوب تثمير الأموال في قوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧] حيث إن الأموال لا تتداول إلا عن طريق توزيع الصدقات، والاستثمار الذي يؤدي إلى أن يستفيد منها الجميع من العمال والصناع والتجار ونحوهم، وكذلك قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] ومن القوة بلا شك قوة المال بل هي مقدمة في معظم الآيات على النفس، فإذا كانت قوة البدن والسلاح مطلوبة فإن قوة المال أشد طلباً ووجوباً.

ثم إن من مقاصد هذه الشريعة الحفاظ على الأموال، وذلك لا يتحقق إلا عن طريق استثمارها وتنميتها، كما أن من مقاصدها تعمير الكون على ضوء منهج الله تعالى {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: ٦١] فقال المفسرون: "معناه: أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن وغرس أشجار" (٥) وكذلك ومن مقاصدها الاستخلاف الذي يقتضي القيام بشؤون الأرض وتدبيرها والإفادة منها وتعميرها وكل ذلك لا يتحقق على وجهها الأكمل إلا عن طريق الاستثمار.


(١) السنن الكبرى (٤/١٠٧) حيث ذكر عددا ً كثيراً من الأحاديث والآثار في هذا المعنى.
(٢) المجموع للنووي (٥/٣٢٩) ؛ والسنن الكبرى (٤/١٠٧) .
(٣) فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي، ١/١٣٠ ط. وهبه بالقاهرة.
(٤) فقه الزكاة (١/١٠٧) .
(٥) تفسير الماوردي المسمى: النكت والعيون ٢/٢١٨ ط. أوقاف الكويت.

<<  <  ج: ص:  >  >>