فكذلك العقيدة الإسلامية هي المهيمنة في الفكر الاقتصادي الإسلامي، وفي منهج الاستثمار وأدواته ووسائله وآلياته، فالمسلم يعتقد أن المال مال الله تعالى وأنه مستخلف فيه، ولذا يجب عليه أن يسير في الاستثمار وغيره على ضوء منهج الله تعالى، ولا يخالف شرعه كما عليه أن يعمر الكون بالعدل والحق ويكون شاهداً على الآخرين.
ولأجل هذه العقيدة تختلف تصرفات المؤمن عن الكافر فبينما يضع المسلم في الاكتساب والإنفاق والاستثمار رضاء الله تعالى نصب عينيه يضع الكافر مصالحه الشخصية أولاً ثم مصالح قومه فوق كل الاعتبارات، بل قد لا يكون له اعتبار إلا لهما، يبين ذلك قوله تعالى في وصف المؤمنين: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (٩) } [الإنسان: ٨ – ٩] . بينما يصف الكافر بأنه ليس راغباً في إطعام اليتامى والمساكين لأنه ليس فيه مصلحة دنيوية له، حتى لو أطعم فإنما يطعم من يرجو منه مصلحة كأصحاب الجاه حيث يقول تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣) } [الماعون: ١-٣] ولأجل هذه العقيدة يرى المؤمن أن الربا محق للأموال ونقص حقيقي، وأن دفع الصدقات زيادة لها، وهذا بالتأكيد عكس تصور الكافر، حيث يقول الله تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}[البقرة: ٢٧٦] .
ولأجل هذه العقيدة أيضاً يمتنع عن المحرمات ويقبل على الطاعات، ويعتبر أنه مثاب مأجور ينفذ أمر الله تعالى حينما يستثمر ويتاجر ويعمل، إضافة إلى إسناده النتيجة إلى الله تعالى وحينئذ لا يحزن ولا يغتم عند الخسارة، ولا يبطر ويطغى عن الربح والغناء {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ}[الحديد: ٢٣] فهو دائماً في أحد المقامين أو في كليهما: مقام الشكر والثناء، ومقام الصبر والرضا.
كما يترتب على هذه العقيدة سرعة الامتثال لأوامر الله تعالى ونواهيه ولذلك يقدم الله تعالى على أوامره ونواهيه ذكر الإيمان فيقول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[النساء: ٢٩] وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[البقرة: ٢٧٨] .