للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملحوظة الأولى: الجهالة، حيث لا يعلم المشتري علماً تفصيليًّا بحقيقة محتوى السهم.

للجواب عن ذلك نقول: إن الجهالة إنما تكون مانعة من صحة العقد إذا كانت مؤدية إلى النزاع، أو كما يعبر عنها الفقهاء بالجهالة الفاحشة (١) يقول الإمام القرافي "الغرر والجهالة ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعاً كالطير في الهواء، وقليل جائز إجماعاً كأساس الدار ... ، ومتوسط اختلف فيه" (٢) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيع المغيبات كالجزر، واللفت والقلقاس: "والأول –أي القول بصحة بيعها وهو مذهب مالك وقول أحمد - أصح ... ، فإن أهل الخبرة إذا رأوا ما ظهر منها من الورق وغيره وهم ذلك على سائرها، وأيضاً فإن الناس محتاجون إلى هذه البيوع، والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع من الغرر، بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك، كما أباح بيع الثمار قبل بدو صلاحها مبقاة إلى الجذاذ وإن كان بعض المبيع لم يخلق ... وأباح بيع العرايا بخرصها فأقام التقدير بالخرص مقام التقدير بالكيل عند الحاجة مع أن ذلك يدخل في الربا الذي هو أعظم من بيع الغرر، وهذه قاعدة الشريعة، وهو تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما" (٣) ويقول الأستاذ الصديق الضرير: "الغرر الذي يؤثر في صحة العقد هو ما كان في المعقود عليه أصالة، أما الغرر في التابع ... فإنه لا يؤثر في العقد" (٤)

فالواقع أن المشتري يعلم علماً إجماليًّا كافياً بقيمة السهم، وما يقابله من الموجودات من خلال نشر الميزانية ونشاط الشركة ونحو ذلك، وهذا العلم يكفي لصحة البيع بالإضافة إلى أن العلم في كل شيء بحسبه.

ثم إن بيع الحصص المشاعة جائز بالاتفاق، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية. "يجوز بيع المشاع باتفاق المسلمين، كما مضت بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم" (٥) يراجع: المغني (٥/٤٥) ؛ والمجموع (٩/٢٩٢) ؛ ويراجع: د. صالح بن زابن: المرجع السابق ص (٣٤٨) والمصادر السابقة الأخرى.

الملحوظة الثانية: أن بيع السهم يعني بيع جزء من الأصول، وجزء من النقود، وهذا يقتضي ملاحظة قواعد الصرف من التماثل والتقابض في المجلس بين الجنس الواحد، والتقابض فيه عند اختلاف الجنس؛ وذلك لأن السهم في الغالب يكون مساوياً لموجودات الشركة بما فيها النقود.

للجواب عن ذلك أن وجود النقود في الأسهم يأتي تبعاً غير مقصود؛ لأن الأصل والأساس فيها هي الموجودات العينية، ولذلك تقول: إن بيع السهم قبل بدء عمل الشركة وقبل شراء المباني ونحوها، لا يجوز إلا مع مراعاة قواعد الصرف.

فالسهم يراد به هذا الجزء الشائع من الشركة دون النظر إلى تفصيلاته فما دام للسهم مقابل من موجودات الشركة لا يعامل معاملة النقد بسبب أن جزءاً من الموجودات نقد، والقاعدة الفقهية تقضي أنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره، وأنه يغتفر في الشيء ضمناً ما لا يغتفر فيه قصداً، قال السيوطي: "ومن فروعها ... أنه لا يصح بيع الزرع الأخضر إلا بشرط القطع، فإن باعه مع الأرض جاز تبعاً ... " (٦)


(١) يراجع: الموسوعة الفقهية (الكويتية) مصطلح جهالة (١٦/١٦٧) .
(٢) الفروق، (٣/٢٦٥ –٢٦٦) ط. دار المعرفة.
(٣) مجموع الفتاوى، ط. الرياض (٢٩/٢٢٧) .
(٤) الغرر وأثره، ص (٥٩٤) .
(٥) مجموع الفتاوى (٢٩/٢٣٣) . ويقول ابن قدامة: " وإن اشترى أحد الشريكين حصة شريكه جاز؛ لأنه يشتري ملك غيره وكذلك الأمر لو باعه لأجنبي، وكذلك الأمر عند غيره من العلماء".
(٦) الأشباه والنظائر للسيوطي، ص ١٣٣ ط. عيسى الحلبي بالقاهرة، ويراجع في نفس المعنى: الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص (١٢١ – ١٢٢) ط. مؤسسة الحلبي بالقاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>