للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن محاكمة عقلية بسيطة تدلنا على خطأ تلك النتيجة النهائية التي يدعيها العلماء الماديون بنسبة كل تصرف إنسان إرادي للمخ والوقوف عنده، وهذه المحاكمة هي:-

أنه إذا كان المخ وراء كل حركة إرادية في أعضاء الجسد فهل عمله هو –أي المخ- عمل إرادي أو غير إرادي؟ أي عندما يصدر المخ أوامر للأعضاء، وعندما يتسلم منها نتائج تنفيذ تلك الأوامر، ويقوم بتحليلها وإصدار النتائج النهائية على ضوئها: هل هذه الأنشطة المختلفة الصادرة عن المخ إرادية أو غير إرادية؟

لا سبيل إلى القول: إنها أنشطة اضطرارية غير إرادية؛ فإنها دعوى مخالفة للمحسوس، وتؤدي إلى القول بأن كل عمل يقوم به الإنسان عمل اضطراري، كأي نشاط يصدر عن خلايا النبتة الحية، أو خلايا الكلية الحية المفصولة عن جسد صاحبها!

وإذا كانت تلك الأنشطة إرادية، فإنه لا سبيل إلى نسبتها إلى خلايا المخ المادية المحسوسة؛ لما تقدم من استحالة صدور المعاني عن المواد دون تدخل من مصدر آخر لهذه المعاني، له طبيعة خاصة مختلفة عن المحسوسات.

وإذا كان كذلك فلا مناص من التسليم بوجود مخلوق حي عاقل غير مادي وغير محسوس يقف وراء كل نشاط إرادي من أنشطة الدماغ المختلفة.

والذي يغلب على الظن في تفسير علاقة الروح بالجسد بصورة عامة، وبالمخ بصورة خاصة، على ضوء ما استقيناه من تصور علمائنا المسلمين، الذي يمتد بجذوره إلى كثير من النصوص، ومن النتائج العلمية التي توصل إليها أهل الاختصاص في تفسير نشاطات الأعضاء، الذي يغلب على الظن أن الجسد الإنساني الحي، بما فيه من مخ وأعضاء أخرى عبارة عن مجمع دقيق من الآلات الحيوية المتشابكة بأسلوب معجز، جعله الباري في خدمة مخلوق عاقل نفخه الله في ذلك المجمع الحيوي، اسمه الروح في مصطلح القرآن والسنة. وأن هذه الروح تسيطر على ذلك الجسد الحي في هذه الدنيا بواسطة المخ؛ فهو يشتغل بتشغيلها له وينفعل بتوجيهاتها، فيحرك أعضاء الجسد الأخرى، فيرسل عن طريقها ما تريد الروح إرساله، ويستقبل عن طريقها ما تريد الروح استقباله، فتقرأ الروح ما يتجمع في الدماغ، وتصدر الأحكام والنتائج في صورة تصرفات إنسانية، وأنه –أي المخ- إذا أصابه تلف جزئي عجز بصورة جزئية عن الانفعال لأوامر الروح، وظهر ذلك العجز الجزئي على بعض الأعضاء، وأثمر بالتالي عجزًا جزئيًا عن ممارسة التصرفات.

<<  <  ج: ص:  >  >>