للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوة تلك النتيجة:

لا نستطيع أن ندعي أن تلك النتيجة في تحديد نهاية الحياة الإنسانية قطعية يقينية، لا تقبل إثبات خلافها. وإنما هي نتيجة مبناها على غلبة الظن؛ لأن مقدماتها وإن كان بعضها قطعيًا، لكن بعضها ظني؛ ذلك أن تحديد العجز الكامل النهائي للمخ، بما وصل إليه العلم الحديث، قد يدخله بعض الشك؛ فإن المخ كما تبين مما سبق ذكره عضو من أعضاء الجسم وإن كان رئيسها، وليس هو الروح بعينها، ولم يقم دليل شرعي ولا علمي على حلول الروح فيه دون غيره. وتعطله يكون نتيجة أمراض معينة. وكل مرض وجد أو سيوجد، اكتشف علاجه أو لم يكتشف فيه قابلية الشفاء، كما أخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام ((ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)) (١) وقد يأتي يوم يتقدم فيه العلم أضعافًا مضاعفة عما هو عليه الآن، ويكتشف أن العلامات التي يقررها أطباء اليوم لموت المخ نهائيًا ليست قاطعة، وأن معالجة المخ بالرغم من ظهور تلك العلامات عليه ممكنة. أو قد يأتي يوم يتمكن العلماء فيه من نقل مخ حي إلى إنسان تلف مخه بصورة كاملة. ولا يرد على ذلك ما أورده أحد الإخوة الأطباء من أن نقل مخ حي يقطع بعدم جوازه شرعًا؛ لأن صاحبه يكون حيًا بالاتفاق، ونقل مخه يكون قتلًا له؛ إذ قد يتصور أن يكون صاحب المخ الحي محكومًا عليه بالإعدام بفصل رأسه عن جسده بالسيف مثلًا، كما هو الحال في بعض الدول، وما دام العلم كما ذكر بعض الإخوة الأطباء، قد توصل إلى إمكان تبريد المخ لبضع ساعات، محتفظًا بقابليته للانبعاث من جديد، فإن احتمال إمكان النقل يظل واردًا عقلًا وشرعًا. ولو حصل هذا الاحتمال فإن معناه إمكان الحفاظ على الروح في الجسد بتعويضها عن مخ صاحبها بمخ جديد. (٢)


(١) أخرجه البخاري في كتاب الطب من صحيحه
(٢) ولو حصل هذا لم يكن هناك أي داع للتخوف من انتقال المعاني والمسؤوليات من إنسان إلى إنسان؛ لأن المخ كما استنتجنا ليس هو الروح، وإنما هو الآلة الرئيسة لبقية آلات الجسد، ومثله في ذلك كمثل القلب، وإن كان أبلغ في أهميته.

<<  <  ج: ص:  >  >>