للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل يمكن بناء الأحكام العملية على هذه النتيجة؟

ليس هنالك خلاف يعول عليه بين علماء الإسلام في أن الأحكام العملية تبنى على غلبة الظن المحصلة بالأمارات والدلائل، وقد أشار إلى ذلك علماء الأصول. (١)

وترتيبًا على ذلك فإنه يمكن بناء ما يحتاج إليه من الأحكام العملية على تلك النتيجة التي توصلنا إليها في تحديد نهاية الحياة الإنسانية؛ فيمكن الاستفادة منها لتحديد القاتل عند اشتراك الجناة على التتابع، كما يمكن استخدامها لمعرفة حكم نقل الأعضاء الآدمية.

غير أنه في كل مرة تتخذ هذه النتيجة أساسًا لبناء حكم عملي عليها ينبغي توفر جميع الشروط اللازمة لمنع استغلالها أو الخطأ فيها؛ فينبغي أن يصدر قرار انتهاء الحياة الإنسانية بموت المخ النهائي عن لجنة من أهل الاختصاص ذوي الكفاءة والنزاهة، وأن يكون ذلك بالإجماع، وأن تسبق عملية النقل موافقة صاحب المخ الميت في خلال حياته، وأن لا يكون قد رجع عنها قبل موته، وموافقة ذويه بعد وفاته، وأن لا يكون هنالك أي بديل آخر يتوصل إليه العلم ويحقق المراد.

هذا ولقائل أن يقول: كيف يصح أن تبنى أحكام خطيرة، كحكم نقل القلب، على نتيجة مبناها على غلبة الظن، والخطأ فيها معناه إهدار حياة موجودة؟

والجواب عن هذا الاعتراض أن جانبًا كبيرًا من حقائق الحياة لا يعرف إلا بغلبة الظن لا بالقطع واليقين. والاقتصار في بناء الأحكام على تحصيل اليقين، فيه تعطيل لكثير من المصالح الخطيرة. وكثير من أحكام الشرع مبناه على الظن الغالب، وبعض هذه الأحكام خطيرة جدًا قد يترتب على الخطأ في بنائها إزهاق أرواح بريئة؛ من ذلك إلزام القاضي ببناء أحكامه في قضايا الحدود والقصاص على طرق الإثبات الشرعية فيجب على القاضي أن يحكم برجم الزاني المحصن الذي يشهد عليه أربعة من الرجال العدول. وأن يحكم بالقصاص على القاتل الذي تثبت جريمته بشهادة اثنين من الرجال العدول وغير ذلك. واحتمال كذب الشهود مهما كانوا عدولًا في الظاهر أمر قائم، واحتمال خطأ الحاكم في حكمه في أمثال هذه القضايا الخطيرة لا ينكره أحد، والخطأ فيها قد يؤدي إلى إهدار أرواح بريئة كما يرى، ولم يقل أحد بحرمة إصدار الأحكام في غير محل اليقين، بل الكل مجمعون على وجوبه بحصول الظن الغالب عن طريق اتباع الطرق الشرعية.


(١) انظر: كتاب المنخول من تعليقات الأصول –لأبي حامد الغزالي ص ٣٢٧ وما بعدها طبع دمشق سنة ١٤٠٠هـ – ١٩٨٠م- دار الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>