والاحتجاج بقاعدة (للأكثر حكم الكل) ، ليست على إطلاقها، فلو أخذ بها لجاز قليل الخمر إذا خلط بقليل من عصير البرتقال مثلاً. ولا قائل به؛ لأنه مردود بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((ما أسكر كثيره فقليله حرام)) ، ولو أخذ بهذا المقول، قليل الربا مباح وهذا يصادم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((درهم ربا)) والدرهم هو أول أعداد القلة.
واحتج –أيضاً- باختلاط جزء محرم. يقول: اختلاط جزء محرم لا يجعل مجموع المال محرماً عند الكثيرين، فيجوز التملك والأكل والبيع والشرب. أود أن أذكر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:((رب أشعث أغبر –هذا في مسألة الأكل- يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، أنى يستجاب له)) ، وقال سعد: يا رسول الله ادع أن أكون مستجاب الدعوة. قال:((يا سعد، أطب مطعمك تجب دعوتك)) .ورضي الله عن أبي بكر عندما شرب شربة لبن جاء بها أحد عبيده فلما علم أنها من كسب خبيث استفرغها وما زال يدخل يده في حلقه حتى أخرج كل ما في بطنه، ثم قال: اللهم إني أستغفرك مما دخل اللحم والعروق، أو نحوه.
والاحتجاج باختلاط جزء محرم. إن كان الاختلاط عن غير قصد أي وقع الاختلاط فإن المال الحرام باختلاطه مع الحلال لا يجعل المال الحلال حراماً، وإنما تقتصر الحرمة على الحرام، ويبقى الحلال حلالاً، هو معنى كلام شيخ الإسلام، لا أن نحمله على ما لا يحتمل فندخل فيه الشركات التي تمارس الربا قليلاً أم كثيراً ونحتج بكلام شيخ الإسلام، والعز بن عبد السلام، وغيرهم. قول هؤلاء العلماء، أقول: إن هؤلاء العلماء يبرؤون إلى الله مما ننسبه إليهم؛ لأننا نحمل كلامهم شيئاً لا يحتمله.
وأما الاحتجاج بمعاملة من في ماله حلال وحرام فليس فيها دليل على هذه الدعوة؛ لأننا ممكن أن نشتري السيارات من اليابان أو من أمريكا أو من إيطاليا أو من غيرها ونتعامل معهم في بضائع وشراء وبيع وإجارة واستئجار، لكن هذا لا يعني أننا ندخل في شركة فيها ربا. فرق بين البيع والشراء أو الإجارة أو نحوها من المعاملات أو الأخذ والعطاء، وفرق بين أن أشارك في شركة جزء منها فيه شيء من الربا.
والاستثمار في الأسهم أرجو أن ننظر فيه بأنه يجب النظر في نشاط الشركة، وفي رأس مالها، فإن كان رأس مالها نقوداً أو أنها شركة مصرفية فيجب هنا إذا اشتريت أسهمها بالنقود يجب فيه التساوي والتقابض؛ لأن فيها أعمال صرف. إذا كانت الشركة شركة مصرفية تقوم على الأعمال المصرفية غير الربوية أو كان رأس مالها نقوداً كله نقوداً ليس فيه عروض أو لم يتحول جزء منه إلى عروض فحينئذ يجب شراء أسهمها بعروض أو بغير ذلك من الأمور، أما بالنقود فحينئذ يجب التساوي والتقابض، وأما إذا كانت الشركة في رأس مالها عروض أو كانت نقوداً وتحولت إلى عروض فحينئذ لا مانع من شراء أسهمها بالنقود أو بالعروض مطلقاً.