للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلى الذين يخالفون هذا الرأي أضرب هذا المثل الذي لا يستبعد وقوعه في الحياة:

إنسان حكم عليه بالإعدام بالسيف، وله ولد أفاد الأطباء بصورة قطعية أن قلبه تالف، ولا أمل له في استمرار حياته إلا بتعويضه عن قلبه بقلب سليم (بعد مشيئة الله تعالى) فأوصى الوالد بقلبه بعد تنفيذ الحكم عليه لولده المريض. وفور تنفيذ الحكم عليه، وفصل رأسه عن جسده، تلقفه الأطباء وحفظوا الجسد المفصول بما فيه من قلب وغيره بوسائلهم وأمدوه بما يلزم للحفاظ على حياة الخلايا فيه، وبقي القلب الموصول بالأجهزة نابضًا:

ففي هذه الحالة هل يمتنع في حكم الدين أن ينقل هذا القلب النابض إلى ذلك الولد المبتلى بقلب يوشك أن يخمد ويتوقف نبضه؟! وهل يستطيع أحد أن يدعي بقاء الروح في هذا الجسد الذي استطاع الطب –بعون الله تعالى- المحافظة على الحياة في خلاياه؟!

لا أعتقد أن أحدًا يقول ببقاء الروح في جسد بلا رأس، مهما كانت خلاياه حية. وأما نقل بعض أعضاء ذلك الجسد فقد يتمسك متمسك بالمنع معتمدًا على حرمة الميت في شرع الله تعالى ولكن حرمة الميت ليست أشد ولا آكد من حرمة الإنسان الحي الذي أفتى كثير من العلماء بجواز نقل بعض أعضائه خلال حياته برضاه، كالكِلْيَةِ مثلًا. ولا شك في أن حاجة الإنسان الحي إلى كليته بل إلى ظفره أشد من حاجة جسد مفصول عنه الرأس إلى القلب الموجود فيه.

وكأني ببعض الإخوة الكرام يقول: إن هذا المثال الذي ضربته يختلف عن حالات موت الدماغ بأن المخ قد ذهب إلى غير رجعة، لانفصال الرأس عن الجسد، بينما الصور الأخرى يفترض فيها بقاء الدماغ في الرأس المتصل بجسده.

والجواب في هذا فرق غير مؤثر في الحكم، وهو لا يزيد عن الفرق بين إنسان مات بسكتة قلبية، وإنسان احترق بالنار، وصار جسده كله رمادًا؛ كلاهما ميت، ولا ومضة أمل في حياته ولا فرق كذلك بين دماغ ذهب وانفصل عن جسده، ودماغ حكم أهل الاختصاص بصورة قاطعة أن خلاياه قد ماتت كلها. (١)

وليس الفرق في حقيقة الأمر، إلا من حيث وضوح الموت في الحالة الأولى لكل ناظر وعدم وضوحه في الحالة الثانية إلا لأهل الاختصاص. وهذا فرق غير مؤثر في الحكم؛ لأن عدم إدراك الإنسان غير المختص لواقع معين ليس له أثر في نفي هذا الواقع، وإنما الأمر في ذلك للمختصين. وهذه قاعدة مضطردة؛ ألا يرى أن المبصر لو شهد برؤية ما لا يدرك بوسيلة أخرى غير البصر، ونفى ذلك أعمى، فإن الحكم يبنى على شهادة المبصر. ولو أن الأحكام توقفت على إدراك كل الناس للوقائع، لكان هذا تعطيلًا لمعظم الأحكام.


(١) أكد ذلك كثير من الأطباء الذين حضروا ندوة الحياة الإنسانية: بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي، ولم يخالف في ذلك أحد منهم

<<  <  ج: ص:  >  >>