١- بعض الباحثين يسلكون مسلك اللين في بحوثهم الشرعية، فيجيزون كل ما هو جائز (= ماض، نافذ) في البلاد (أو بلادهم) . وإذا كانوا يرون هذا أسلم لهم عند الناس، وعند الدولة، فإنه ليس أسلم لهم عند الله، وليس هذا من الدين ولا من العلم بسبيل.
٢- وبعض الباحثين مفتونون بالقوانين الوضعية الحديثة، يباهون بمعرفتها، ويحتجون بها، وكأنها قرآن أو سنة أو نص إمام فقيه.
٣- وبعض الباحثين والمفتين يخلصون في بحثهم أو فتواهم إلى أن هذا جائز شرعاً، بشرط ألا يخالف الشريعة الإسلامية، وكأنهم يقولون: جائز بشرط أن يكون جائزاً، فهم يفتون بترك الفتوى للمستفتي، مع أن المطلوب منهم أن يقولوا: هذا جائز، وهذا غير جائز، وإلا لماذا كان البحث؟ وفيم العناء؟ ربما يكون مرادهم: جائز منه ما علمناه، وما لم نعلم يجب ألا يكون فيه مخالفات، يعني: يقولونها من باب الحيطة في الأمور التي قد تغيب، ولكن الصياغة مهمة، دفعاً للشك والالتباس.
٤- ليس المطلوب أن ننظر في القوانين واللوائح فكرة فكرة، وكلمة كلمة، إنما المطلوب أن ننظر (كتابة) فيما يستحق النظر الشرعي، لحرام أو شبهة، وما بقي فمتروك على أصل الإباحة في المعاملات المالية. وتفصيل الحرام قد يوهم بأن الحرام كثير، والحقيقة أن الحلال أوسع من الحرام بكثير، وهو الأصل.
أرجو أن يوفقني الله في هذا البحث إلى تجنب هذه المسالك الأربعة وأمثالها.
المصطلحات
في هذه الورقة ستمر معنا بعض المصطلحات، مثل: المناقص والمتناقص، والممارسة، والعطاء، والمقاولة، والإذعان.
سنناقش هذه المصطلحات باختصار، كلًّا في موضعه من هذه الورقة، على أساس أن المصطلح من عادة الباحث المسلم أن يعتني به، وينظر فيه من أين كان مأخذه في اللغة؟ فهذا في العلم مهم؛ لأن المصطلح وعاء إذا كان ملائماً فإنه يستوعب بانسجام أفكاره ومفرداته، وإذا كان غير ملائم فإن ما يدخل فيه يتفلت في الذهن، ولا يترابط، وتكون الإحاطة به مجهدة.