بدأت حياة البشرية بنفخة، وتنتهي بنفخة، فسبحان الله الحي القدير. بدأت بنفخة في جسد آدم، وتنتهي بنفخة ينفخها إسرافيل في الصور {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} أي ماتوا في الحال. وأما الواحد من بني آدم فقد يطول احتضاره ومعاناته لسكرات الموت الذي كان منه يحيد، حتى إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قال:((اللهم أعنَّي على سكرات الموت)) .
ونهاية الحياة الإنسانية بما يقوم به ملك الموت ورسل الله، من إيجاد الانفصال الكامل بين تلك الروح وبين الطين الذي كان مسكنها ومطيتها، وذلك بتوفيها وإرجاعها إلى ربها الذي هي من أمره {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} .
وبينما الروح بعد ذلك في روح وريحان وجنة نعيم أو في نزل من حميم وتصلية جحيم، يبدأ ذلك الطين المشكل، والمسكن الذي كان معدا لإقامة النزيل يبدأ بالتحلل، بعد رحيل ذلك النزيل شيئًا فشيئًا ليعود ترابًا كما كان، وليندمج في الأرض التي منها بدأ.
ولن تستطيع قوة أو علم أو حكمة أن تجمع بين ما فرقه الله {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٨٧) } .
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لحصول ذلك الافتراق أمارة ترى: فعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الروح إذا قبض أتبعه البصر)) (رواه مسلم) وعن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر، فإن البصر يتبع الروح. وقولوا خيرًا، فإنه يؤمن على ما يقول أهل الميت)) رواه أحمد في المسند.
ويذكر الفقهاء أمارات أخرى وصل إليها علمهم، وعرفوها بمقتضى التجربة البشرية "استرخاء رجليه، وانفصال كفيه، وميل أنفه، وامتداد جلدة وجهه، وانخساف صدغيه"(المغني ٢/ ٤٥٢.
ولا بد للحكم بموته من أن تنعدم كل أمارات الحياة. ويذكرون ذلك في استهلال المولود ليرث، قالوا "لا بد أن ينفصل حيًا حياة مستقرة، فلو مات بعد انفصاله حيًا حياة مستقرة فنصيبه لورثته، ويعلم استقرار حياته عند الحنابلة والشافعية إذا استهل صارخًا، أو عطس، أو تثاءب، أو مص الثدي، أو تنفس وطال زمن تنفسه، أو وجد منه ما يدل على حياته، لاحتمال كونها كحركة طويلة ونحوها ولو لم تكن حياة مستقرة، بل كالحركة اليسيرة، والاختلاج، والتنفس اليسير، لم يرث؛ لأنه لا يعلم بذلك استقرار حياته لاحتمال كونها كحركة المذبوح، أو كما يقع للانتشار من ضيق، أو استواء الملتوي (العذب الفائض في الفرائض ٣/ ٩١) .