للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤- اللهم إلا إذا كان التغير ناشئاً عن تغير في التعرفة الجمركية، وهو تغير سببه الدولة نفسها، فعندئذ يسوى الفرق سواء أكان بالزيادة أم بالنقص. فإذا زادت أعطي المورد الفرق، وإذا نقصت أخذ منه الفرق.

٥- لكن في بعض الحالات يتعذر على الجهة الإدارية التعاقد مع المورد أو المقاول على أساس أسعار ثابتة لجميع مفردات العقد، نظراً لأن جزءاً من الالتزامات كأجور النقل والتأمين وأسعار المواد الخام يكون مرتبطاً بتقلبات الأسعار العالمية. في هذه الحالة يتعين على الجهة الإدارية أخذ موافقة سلطة أعلى (مجلس الوزراء مثلاً) لإمضاء عقد على هذا الشكل. وعندئذ يجوز التعديل بالزيادة في مقابل حق الجهة الإدارية بالانخفاض. وعادة ما يتم الحرص على تحديد نسبة قصوى لهذه الزيارة، في حدود ٢٠? مثلاً، يخصص لها مبلغ احتياطي من الاعتماد لمواجهتها.

٢ -٧ تأجيل البدلين في المناقصة: الكالئ بالكالئ (= الدين بالدين)

١- قدمنا أن المتعهد أو المقاول يقدم إيجابه عندما يشترط في المناقصة، ويلتزم بهذا الإيجاب إلى حين رسو المناقصة وإبرام العقد (صدور القبول من الجهة صاحبة المناقصة) .

وبعد إبرام العقد لا يعجل البدلان معاً، ولا أحدهما، بل يؤجلان كلاهما. وفي عقود الأشغال العامة قد لا يكون هناك مشكلة كبيرة؛ لأن من طبيعة عقود الإجارة (الشبيهة بعقود الأشغال) أن البدل المتمثل بالمنفعة لا يستوفى دفعة واحدة معجلة ولا مؤجلة، إنما يستوفى شيئاً فشيئاً مع تعاقب الوحدات الزمنية. (١) أما البدل المتمثل بالأجر فيمكن تعجيله أو تأجيله.

وفي عقود التوريد قد تبدو المشكلة أكبر؛ لأن البدلين (المبيع، والثمن) مؤجلان، فهل هذا غير جائز، ويدخل في بيع الكالئ بالكالئ؟

٢- ذكر بعض العلماء أن كل معاملة وجدت بين اثنين، وكانت نسيئة من الطرفين، فلا تجوز بإجماع؛ لأنها من الدين بالدين المنهي عنه؛ (٢) ولأنها من أبواب الربا؛ (٣) ولأنها شغل لذمتين: ذمة البائع، وذمة المشتري، من غير لفائدة. (٤)

٣- غير أن حديث الكالئ بالكالئ ليس حديثاً ثابتاً، (٥) وإن تلقته الأمة بالقبول. والصور التي تدخل فيه ليست موضع اتفاق العلماء، (٦) والصورة التي نحن بصددها لا يدخلها الربا؛ لأنها مبادلة سلعة بنقد، أو خدمة بنقد، فالبدلان فيها مختلفان، لا يدخلهما الربا المحرم. وليس مسلماً أنها شغل لذمتين من غير فائدة، فلو لم تكن هناك فائدة لما عقد عليها أحد. (٧) ودعوى الإجماع غير سهلة، وغالباً ما يعتريها التسامح والتساهل. (٨) ثم إن الإجماع هنا غير وارد على معنى واحد، فبعض العلماء (ابن تيمية) يقولون: إن المجمع على تحريمه هو البيع المؤجل البدلين (كلاهما دين) ، وبعضهم (السبكي) يقولون: إن المجمع على تحريمه هو البيع المؤجل البدل الواحد (السلم، النسيئة) إذا زيد في أجله لقاء الزيادة في بدله. (٩)


(١) المحلى لابن حزم ٨/١٨٣؛ ونظرية العقد لابن تيمية ص ٢٣٠
(٢) أحكام القرآن للجصاص ١/٤٨٣؛ وبداية المجتهد ٢/٩٤ و١١٠ و١١٧؛ ونظرية العقد ص ٢٣٥.
(٣) أحكام القرآن ١/٤٦٦؛ وتكملة المجموع للسبكي ١٠/ ٢٥؛وحاشية الشرقاوي ٢/٣٠.
(٤) الفروق للقرافي ٣/٢٩٠، ونظرية العقد ص ٢٣٥، وإعلام الموقعين لابن القيم ١/٤٠٠.
(٥) قال الإمام أحمد: ليس في هذا حديث يصح. نيل الأوطار ٥/١٧٧.
(٦) الكالئ بالكالئ لحماد ص ١٠.
(٧) الغرر للضرير ص ٣١٦، وقارن الكالئ بالكالئ لحماد ص ١٧.
(٨) التمهيد في أصول الفقه ٣/٢٤٧.
(٩) الجامع في أصول الربا ص ٣٤٢، وانظر فيه الكلام عن حديث جابر، وتكملة المجموع للسبكي ١٠/١٠٦؛ وإعلام الموقعين ٢/٩ و١١؛ وإغاثة اللهفان ١/٣٦٤. ويبدو أن الدكتور الضرير يميل إلى رأي السبكي. قال: " لعل الصورة المجمع على منعها في بيع الدين بالدين هي ما كان فيه الدين من الأموال الربوية". لكن العبارة فيها شيء من الغموض، وهذا الغموض كثيراً ما يعتري مثل هذه البحوث الفقهية الدقيقة الشائكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>