ومن السنة المطهرة ما يبين أن الأموال الربوية ينظر فيها إلى المثل قدراً، ولا عبرة بالقيمة؛ ويوضح هذا حديث تمر خيبر المشهور، حيث قيل للرسول صلى الله عليه وسلم: إنا نبتاع الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال صلى الله عليه وسلم:((لا تفعل)) –وفي رواية-: ((إنه عين الربا بيع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا)) .
ومما يعد أصلاً في موضوعنا كذلك ما رواه أبو داود في سننه عن المستورد بن شداد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً)) . وما رواه أحمد في مسنده عن المستورد أيضاً فقال:((من ولي لنا عملاً فلم يكن له زوجة فليتزوج، أو خادم فليتخذ خادماً، أو مسكن فليتخذ مسكناً، أو دابة فليتخذ دابة)) . (١)
قال الخطابي في معالم السنن: هذا يتأول على وجهين:
أحدهما: أنه إنما أباح اكتساب الخادم والمسكن من عمالته التي هي أجرة مثله.
والوجه الآخر: أن للعامل السكنى والخدمة، فإن لم يكن له مسكن ولا خادم استؤجر له من يخدمه فيكفيه مهنة مثله، ويكترى له مسكن يسكنه مدة مقامه في عمله.
وفي عون المعبود (٨/١٦١) جاء في شرح الحديث: "يحل له أن يأخذ مما في تصرفه من مال بيت المال قدر مهر زوجة ونفقتها وكسوتها، وكذلك ما لا بد منه من غير إسراف وتنعم". وذكر بعد هذا قول الخطابي.
يؤخذ من هذا الحديث الشريف أن أجر العامل مرتبط بتوفير تمام الكفاية، ومعنى هذا أن الأجر يجب أن يتغير تبعاً لتغير قيمة العملة، وهذا يختلف عن الالتزام بالدين كما بينه حديث ابن عمر.
(١) انظر كتاب الخراج والفيء والإمارة في سننه –باب في أرزاق العمال- وانظر مسند أحمد: ٤/٢٢٩- ٢٣٠. والحديث سكت عنه هو المنذري، ولكن السيوطي –مع تساهله في التصحيح- ذكره في الجامع الصغير ورمز له بعلامة الضعف! فلم يوافقه المناوي، وذكر في فيض القدير قول الهيثمي: رجاله ثقات أثبات. وراجعت الحديث، ونظرت في كتاب الرجال، فوجدت الحق مع المناوي والهيثمي، فأبو داود يرويه هكذا: "حدثنا موسى بن مروان الرقي، أخبرنا المعافى، أخبرنا الأوزاعي، عن الحارث بن يزيد، عن جبير بن نفير، عن المستورد بن شداد، قال" وهذا الإسناد متصل بغير انقطاع، ورجاله كلهم ثقات غير مجروحين. وفي المسند نجد ثلاث روايات للحديث عن عبد الرحمن بن جبير من أربعة طرق، عن المستورد فالحديث يرويه عن المستورد بن شداد، إذن جبير بن نفير عند أبي داود، وعبد الرحمن بن جبير عند أحمد.