جاء في بعض ما كتبه إخواننا الأطباء العبارة الآتية "إذا وجدت المصلحة فثم شرع الله".
وهذه العبارة تحتاج إلى توضيح فأقول وبالله التوفيق:
إن المصالح التي جاء بها الشرع خمس:
١- مصلحة الدين.
٢- مصلحة النفس.
٣- مصلحة العقل.
٤- مصلحة النسل.
٥- مصلحة المال.
وهذه المصالح منها ما هو ضروري بحيث تفوت المصلحة بفوته، ومنها ما هو حاجي بحيث تبقى المصلحة ولكن مع الحرج الشديد، ومنها ما هو تحسيني.. وقد تتعارض هذه المصالح فتقدم مصلحة الدين على مصلحة النفس، ومصلحة النفس على مصلحة العقل، ومصلحة العقل على مصلحة النسل.. وكل هذه المصالح تتقدم على مصلحة المال.. كما يقدم الضروري منها على الحاجي.. والحاجي على التحسيني، ثم إن المصالح بالنسبة لاعتبار الشارع ثلاث:
١- مصلحة معتبرة شرعًا.
٢- مصلحة ملغاة شرعًا.
٣- مصلحة سكت عنها الشارع فلم يعتبرها ولم يلغها.
فأما المصالح التي ألغاها الشارع فهي كالمصلحة في الخمر والميسر فالله سبحانه وتعالى يقول {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} وكالمصلحة في الربا كما كان يزعم المرابون قديمًا بقولهم "إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا" فألغى الله ما في الربا من مصلحة بقوله {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} وكالمصلحة في التبني فقد ألغاها الله بقوله {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} فكل مصلحة ألغاها الشارع لا ينبغي أن نبني عليها حكمًا بل هي مهدرة وهي من تخييل الهوى.
وأما المصالح التي سكت عنها الشارع فلم يعتبرها ولم يلغها، وهي ما يعرف عند العلماء بالمصالح المرسلة فالأمر فيها موسع، ويؤخذ فيها برأي المختصين.
بعد هذا البيان ينبغي أن يفهم ما قالوه من أنه إذا وجدت المصلحة فثم شرع الله.. أن المراد بالمصلحة التي تتفق مع شرع الله هي التي لم يلغها الشارع ولم يملها الهوى وقديمًا قيل:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
كما أن عين السخط تبدي المساويا
ولعله بعد هذا البيان يجب أن لا نحكم أولًا ثم نلتمس الأسباب والعلل والمسوغات التي لا يعجز العقل البشري عن التماسها عندما يكون خاضعًا للأهواء والأغراض.
هذا ما بدا لي في هذا الموضوع الخطير حتى لا ننساق وراء كل جديد.