للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآراء الفقهية في تغير قيمة النقود:

منذ اشتغالي بهذا الموضوع في عام ١٩٨٦م إلى يومنا هذا أجد أن آراء المعاصرين تدور حول نقطتين.

أولاهما: أن نقودنا الورقية هل هي مثلية مثل الذهب والفضة، أم أنها يمكن أن تتحول إلى قيمة عند تغير قيمتها، أو انهيارها؟ وأن الذين يقولون بعدم الاعتناء بتغيرها قالوا: إنها مثلية مثل نقود الذهب والفضة.

ولذلك عالجت في بحثي الذي قدمته للمؤتمر الخامس لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي عام ١٩٨٨م هذا الموضوع من خلال قاعدة المثلي والقيمي، وأثبت بالأدلة المعتبرة أن نقودنا الورقية ليست مثل النقود الذهبية أو الفضة في كل شيء وأن الذهب نفسه قد تدخل فيه صنعة أو تغيير فيتحول إلى قيمي.

ثانيتهما: أن هؤلاء الذين قالوا بأن نقودنا الورقية يجب الرد فيها بالمثل اعتمدوا على آراء جمهور الفقهاء السابقين في أن تغير قيمة النقود ليس له أثر في الحقوق والالتزامات.

ومع أن في هذه المسألة خلاف أبي يوسف، ولكني أرى أنه لا ينبغي تنزيل آراء فقهائنا القدامى على نقودنا الورقية.

إذن: فالخلاف هنا الآن في فقه التنزيل، ولو نظرنا جميعاً نظرة واقعية لتبين لنا أننا لو قسنا النقود الورقية على النقود الذهبية والفضية في الرد بالمثل مهما تغيرت قيمتها لحكمنا بظلم بين على الدائن، ومن المعروف أن هذه الشريعة خالية عن الظلم، وقائمة على العدل، وأن أي مسألة خرجت من العدل إلى الظلم، فليست من هذه الشريعة، "وحيث ظهرت دلائل العدل وسفر وجهه فثم شرع الله، وأمره".

لذلك فالذي نراه راجحاً هو أن الأصل في النقود الورقية أيضاً أنها مثلية، ولا نخرجها عن المثلية إلا إذا زالت عنها هذه المثلية من انهيار قيمتها، أو وقع غبن فاحش فيها، وهذا إنما يظهر في الحقوق الآجلة، لا الحقوق العاجلة.

نظرية الظروف الطارئة تدعم هذا التوجه:

هذه النظرية التي تنبثق من قواعد العدالة والمصالح العامة وقاعدة وحديث ((لا ضرر ولا ضرار)) تتفق تماماً مع العلاج الذي ذكرناه والذي ذهب إليه بعض المالكية، ورجحوه.

وقد أقر المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة المنعقدة في ١٤٠٢هـ قواعد ومسائل في غاية من الأهمية انبثقت من نظرية الظروف الطارئة، نذكرها لأهميتها في الملحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>