للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ومن الجدير بالتنبيه عليه أن أهل الصين قد استعملوا النقد الورقي منذ حقب بعيدة، فقد ذكر ابن بطوطة في رحلته العظيمة أن "أهل الصين لا يتبايعون بدينار ولا درهم، وجميع ما يتحصل ببلادهم من ذلك يسبكونه قطعًا، وإنما بيعهم وشراؤهم بقطع كاغذ، كل قطعة منها بقدر الكف مطبوعة بطابع السلطان، وتسمى الخمس والعشرون قطعة منها بالشت، وهي بمعنى الدينار عندنا، وإذا تمزقت تلك الكواغذ في يد إنسان حملها إلى دار كدار السكة عندنا فأخذ عوضها جدداً، ودفع تلك، ولا يعطى على ذلك أجرة ولا سواها؛ لأن الذين يتولون عملها لهم الأرزاق الجارية من قبل السلطان، وإذا مضى الإنسان إلى السوق بدرهم فضة، أو بدينار يريد شراء شيء لم يؤخذ منه، ولا يلتفت إليه حتى يصرفه بالشت، ويشترى به ما أراد" (١)

وكانت أكثر الدول الأوربية تستعمل النقود الذهبية، وبعضها النقود الفضية كهولندا، وروسيا، وبعضها الأخرى تتعامل بالنقدين على قدم المساواة مثل أمريكا وفرنسا، والبلجيك وسويسرا، وكان الغش أو البخس في العملة في كثير من الأحيان يؤدي إلى أزمات خطيرة منذ العصر الروماني، وكان يلجأ إليه ملوك أوربا في كثير من الأحايين. (٢)

وقد يحصل في بعض الأحيان التنافس بين أنصار الذهب، وأنصار الفضة ولا سيما في أمريكا غير أن النتيجة كانت في الآخر لصالح الأول، حيث صدر قانون وحدة النقود على أساس الدولار الذهب مع استيفاء قوة الإبراء غير المحدودة لدولار الفضة إثر الانتخاب الذي جرى لأجله في عام (١٩٠٠) ولم يبق أيضاً بعد ذلك من الدول التي تسير على نظام المعدن الفضي إلا الصين والهند الصينية، وبعض أنحاء آسيا، وذلك بسبب هبوط قيمة الفضة المستمر أمام الذهب إثر اكتشاف مناجم كبيرة للفضة في أمريكا ونضوب مناجم الذهب في استراليا (٣)

وقد أدت الحرب العالمية الأولى ونفقاتها الباهظة إلى اختفاء النقود الذهبية، بل والفضية فقررت فرنسا وبلجيكا وسويسرا، وإيطاليا منذ سنة (١٩١٤) التعامل الجبري بالبنكنوت، وعمدت بنوك الإصدار فيها إلى الإكثار من رصيدها المعدني وبذلك استنزفت أكبر كمية من الذهب، واختفت –تقريباً- العملات الذهبية من التداول، غير أن أنصار المعادن النفيسة قد بذلوا عدة محاولات في سبيل إعادتها، اتخذت أشكالاً منها: نظام السبائك الذي أخذت به بريطانيا منذ مايو عام ١٩٢٥ إلى ١٩٣١، ويقتضى هذا النظام أن توقف السلطات النقدية حرية سك العملات، على أن تظل حرية تصدير واستيراد الذهب قائمة، وألا يحول البنكنوت إلى ذهب، إلا في صورة سبائك وبحد أدنى، ومنها نظام الصرف بالذهب الذي يقضى أن ترتبط العملة المحلية بالذهب بشكل غير مباشر عن طريق عملة أجنبية تسير على نظام الذهب مثل مصر التي ارتبطت في (١٩٢٥-١٩٣١) بالجنيه الاسترليني، (٤) ولا تزال المحاولات في سبيل هذه الإعادة موجودة إلى وقتنا الحاضر، ولكن أصواتهم خافتة، لمعارضتها لمصالح الدول الكبرى.


(١) رحلة ابن بطوطة، ط. المطبعة الخيرية الأولى ص (١٩٦) وذكر المقريزي في رسالتها أن هذه النقود كانت تصنع من لحاء شجر التوت.
(٢) د. محمد صالح: المصدر السابق ص (٣٣٠-٣٣٥) ؛ ود. أحمد عبده: المصدر السابق ص (٢٩) ح ود. محمد عبد العزيز، وتادرس، النقود والبنوك في التجارة الخارجية طبع سنة ١٩٦٨م ص (٢) ؛ ود. عبد النعيم مبارك: النقود والصيرفة، ط. الدار الجامعية سنة ١٩٨٥م ص (٧) .
(٣) د. أحمد عبده: المصدر السابق ص (٣٨-٣٩) .
(٤) د. محمد عبد العزيز، ود. مصطفى رشدي شيحة: النقود والبنوك، ط. الدار الجامعية ص (٦٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>