للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: إن قضية المثلي والقيمي واعتبار ما هو مثلي، أو قيمي ليست من الأمور المنصوص عليها في الشرع، بحيث لا يمكن تجاوزها، وإنما كان الغرض منها هو محاولة التقريب والتبسيط والتقعيد الفقهي، والرائد فيها هو تحقيق العدالة، ولذلك قالوا في تعليلهم لوجوب رد المثلي في المثلي: إن المثل هو أقرب الأشياء إليه، وقالوا في رد القيمي في القيمي: أنه نظراً لتفاوت أفراده يمنع رد المثل فيه، ولذلك تجب قيمته، ومن هنا إذا رد المقرض في القيميات شيئاً أحسن مما أخذه يجوز، استناداً إلى ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث استسلف من رجل جملاً بكراً فأمر أن يعطيه رباعيًّا وقال: ((فإن خياركم أحسنكم قضاء)) (١) .

وقد أكد الإمام الشوكاني ذلك، وبين بأن قاعدة المثلي والقيمي قاعدة مرنة جدًّا، وأنها ليست منصوصة، فقال: "قوله: وفي تالف المثلي مثله إلخ" أقول: "إطلاقهم على الشيء الذي تساوت أجزاؤه، أنه مثلي، وعلى ما اختلفت أجزاؤه أنه قيمي، هو مجرد اصطلاح لهم، ثم وقوع القطع والبت منهم بأن المثلي يضمن بمثله، والقيمي بقيمته، هو أيضاً مجرد رأي عملوا عليه، وإلا فقد ثبت عن الشارع أنه يضمن المثلي بقيمته" (٢) .

ولو استقرينا فروع الشريعة وكلياتها ومبادئها ووسائلها، لوجدناها قائمة على العدل قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥] ، وقال: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: ٥٨] . إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على ذلك.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:

"والأصل في العقود جميعها هو العدل، فإنه بعثت به الرسل، وأنزلت الكتب.. والشارع نهى عن الربا، لما فيه من الظلم، وعن الميسر لما فيه من الظلم" (٣) .


(١) رواه البخاري في صحيحه –مع فتح الباري (٥/ ٥٦- ٥٩) ؛ ومسلم (٣/١٢٤٤) ؛ والترمذي في سننه مع التحفة (٤/٥٢٤) ؛ والنسائي في سننه (٧/ ٢٥٦) ؛ وأبو داود في سننه مع العون (٩/ ١٩٦) ؛ ومالك في الموطأ ص ٤٤٢.
(٢) السيل الجرار بتحقيق إبراهيم زايد ط. دار الكتب العلمية ببيروت (٣/ ٣٦٠)
(٣) مجموع الفتاوى ٢٠/ ٥١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>