للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك أفتى بمثله بعض علماء الهند مثل: مولانا الشيخ فتح محمد اللكنوي صاحب عطر الهداية، وذكر المفتى سعيد أحمد اللكنوي في كتابه أن الإمام عبد الحي اللكنوي كان يوافق تلميذه الشيخ فتح محمد في هذه المسألة (١) .

والراجح أن هذا الخلاف لفظي، وليس خلافاً معنويًّا، ولا خلافاً قائماً على الحجة والبرهان، وإنما هو خلاف عصر وأوان، فالأوائل بنوا أقوالهم في عدم وجوب الزكاة فيها على أساس أنها كانت سندات لديون، والآخرون نظروا إليها باعتبارها أصبحت أثماناً بالعرف وكلا الرأيين صحيح فالأوراق النقدية كانت في بدايتها سندات، فقد جاء في دائرة المعارف البريطانية: "أن البنكنوت كان ظهوره قبل الشيكات المصرفية، ويمكن اعتباره كسند عند الدائن لدين له على البنك، وأن حقوق هذه الأوراق تنتقل إلى آخر عند تسلمها، فحينئذ يكون حاملها دائناً للبنك بطريقة تلقائية.." (٢) .

وأما الآن بل ومنذ فترة ليست وجيزة، لم يعد لها هذا التكييف، بل هي تطورت وأصبحت عملة قانونية، ومنعت الحكومات البنوك الشخصية من إصدارها، وحينئذ تختلف حقيقتها عن السندات المالية الأخرى في أمور كثيرة (٣) .

وكذلك في مسألة الربا، حيث لا ينبغي تكييف مسألة النقود الورقية الآن على أنها ما دامت لا تتحقق فيها علة الربا عند بعض العلماء، يجوز فيها الربا قياساً على قول من أجاز الربا في الفلوس، وذلك لأن هؤلاء لما قالوا في الفلوس، قالوا فيها باعتبار كونها سلعة، ولا سيما أنها لم تكن النقد السائد، بل كانت المساعدة، أما لو شاهدوا غلبتها وأصبحت العملة الوحيدة، فلا أعتقد أن أحداً منهم يقول بهذا القول، ولذلك نرى مشايخ ما وراء النهر، حرموا التفاضل في العدالي والغطارفة –نوعان من النقود الفضية التي كانت نسبة النحاس فيهما أكثر من الفضة- مع أن علماء المذهب الحنفي القدامى أجازوا التفاضل وزناً وعدداً في الدراهم والدنانير المغشوشة، قال المرغيناني: "وإن كان الغالب عليهما الغش فليسا في حكم الدراهم والدنانير، وإن بيعت بجنسها متفاضلاً جازا.." ثم قال: "ومشايخنا (رحمهم الله) لم يفتوا بجواز ذلك في العدالي والغطارفة؛ لأنها أعز الأموال في ديارنا، فلو أبيح التفاضل فيه ينفتح باب الربا. ثم إن كانت تروج بالوزن فالتبايع والاستقراض فيها بالوزن وإن كانت تروج بالعد فبالعد.." (٤) .

ولكن مع رواج النقود المغشوشة وقبولها وكونها من أعز الأموال، لم يعط الحنفية كل أحكام الدراهم والدنانير الخالصة.


(١) يراجع بحث الأستاذ محمد تقي العثماني ص (١١)
(٢) دائرة المعارف البريطانية ط (١٩٥٠) (٣/ ٤٤)
(٣) يراجع: بحث محمد تقي العثماني ص (١١)
(٤) الهداية مع فتح التقدير وشرح العناية (٧/ ١٥٢-١٥٣) ؛ وحاشية ابن عابدين

<<  <  ج: ص:  >  >>