للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك جعل شيخ الإسلام ابن تيمية –كما نقل عنه صاحب الدرر السنية (١) - اختلاف الأسعار مانعاً من التماثل، وقاس مسألة تغير القيمة على كسادها، بناء على أن كون الكساد عيباً يكمن في كونه نقصاً في القيمة؛ لأنه ليس عيباً في ذات النقد من حيث النقص في عينه، حيث إن القدر لم يتغير، وإنما هو باعتبار أن الكساد يترتب عليه نقصان في القيمة لا غير، ثم عقب صاحب الدرر على ذلك بقوله: "إن كثيراً من الأصحاب تابعوا الشيخ تقي –أي ابن تيمية- في إلحاق سائر الديون بالقرض، وأما رخص السعر، فكلام الشيخ صريح في أنه يوجب رد القيمة أيضاً وهو الأقوى" (٢) .

وهذا الرأي الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية جدير بالقبول وحري بالترجيح، وهو يسعفنا في الموضوع الذي نحن بصدد بحثه، وهو رعاية القيمة.

فعلى ضوء هذا الرأي، والآراء التي سبقته لأبي يوسف وبعض علماء المالكية نكون قد وجدنا أرضية ثابتة ومنطلقاً للرأي الذي نرجحه وهو اعتبار القيمة في نقودنا الورقية بالضوابط السابقة.

الأمر الثالث:

رجوع الفقهاء في كثير من الأمور المثلية إلى القيمة حينما لا يحقق المثل العدالة، كما في حالة اقتراض الماء عند ندرته، وفي حالة الحلي المصوغ من الذهب ولكن داخلته الصنعة، وغير ذلك مما ذكرناه عند كلامنا على المثلي والقيمي.

الأمر الرابع:

وحتى نختم هذا بختام المسك نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أهمية القيمة، حيث قال: ((من أعتق عبداً بين اثنين فإن كان موسراً قوم عليه، ثم يعتق)) وفي رواية صحيحة أخرى: ((من أعتق شركاً له في عبد، فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق)) وفي رواية لمسلم ((في ماله قيمة عدل، ولا وكس ولا شطط)) (٣) .

يقول العلامة ابن القيم: "ومعلوم أن المماثلة مطلوبة بحسب الإمكان" ثم نقل عن جمهور العلماء قولهم: "الدليل على اعتبار القيمة في إتلاف الحيوان دون المثل: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضمن معتق الشخص إذا كان موسراً بقيمته، ولم يضمنه نصيب شريكه بمثله، فدل على أن الأصل هو القيمة في غير المكيل والموزون" (٤) .


(١) يراجع: الدرر السنية في الأجوبة النجدية ط/ دار الإفتاء بالرياض (٥/ ١١٠)
(٢) يراجع: الدرر السنية في الأجوبة النجدية ط/ دار الإفتاء بالرياض (٥/ ١١٠)
(٣) صحيح البخاري –مع الفتح- كتاب العتق (٥/ ١٥٠- ١٥١) ومسلم (٢/ ١١٤٠) ؛ وسنن أبي داود –مع العون- (١٠/ ٤٧٢) ؛ والترمذي- مع تحفة الأحوذي – (٤/ ٢٨١) ؛ والنسائي (٧/ ٢٨١) ؛ وابن ماجه (٢/ ٨٤٤)
(٤) شرح سنن أبي داود. لابن القيم –مع عون المعبود- (١٢/ ٢٧٢- ٢٧٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>