للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن القاعدة العامة لدى الشافعية هي أن المثلي إذا عدم، أو عز، فلم يحصل إلا بزيادة، لا يجب تحصيله، كما صححه النووي، بل يرجع إلى قيمته (١) وقد فصل السيوطي في رسالته عن الفلوس وتغيراتها (٢) هذه المسألة، كما ذكر وجهاً للشافعية يقضي بأن الفلوس، والدراهم والدنانير المغشوشة من المتقومات، فعلى هذا يكون الرد فيها بالقيمة.

والحنابلة –كما ذكرنا- يقولون بوجوب القيمة في حالة إلغاء السلطان الفلوس، أو الدراهم المكسرة (٣) ، ولكن هل تجب القيمة عند الغلاء أو الرخص؟ المنصوص عن أحمد وأصحابه هو عدم اعتبارها، وقد بين ابن قدامة السبب في هذه التفرقة بين الحالتين فقال معللاً وجوب القيمة في حالة الكساد دون حالة تغير القيمة: "إن تحريم السلطان لها منع إنفاقها وأبطل ماليتها، فأشبه كسرها، أو تلف أجزائها، وأما رخص السعر، فلا يمنع ردها سواء كان كثيراً.. أو قليلاً؛ لأنه لم يحدث فيها شيء إنما تغير السعر، فأشبه الحنطة إذا رخصت، أو غلت" (٤) .

ولو دققنا النظر في هذا التعليل، لوجدناه قائماً على أمرين:

الأمر الأول:

الاعتماد على أن الكساد عيب، ولكن الرخص الفاحش ليس بعيب، مع أن ابن قدامة نفسه حينما عرف بالعيوب قال: هي النقائض الموجبة لنقص المالية، ثم ذكر عدة تطبيقات في إثبات الخيار فيها قائلاً: "ولنا أن ذلك ينقص قيمته وماليته" (٥) وقال أيضاً في عدم الخيار في مسألة: "ولنا أنه لا ينقص عينها، ولا قيمتها.." (٦) .

فعلى ضوء ذلك كان الأجدى رعاية القيمة أيضاً في النقود الاصطلاحية؛ لأن القيمة عنصر أساسي في العيوب كما رأينا.

الأمر الثاني:

الاعتماد على القياس على الحنطة إذا رخصت، ويمكننا أن نقول: إن قياس النقود المغشوشة والفلوس على الحنطة قياس مع الفارق؛ لأن الحنطة ذات قيمة ذاتية لا تختلف باختلاف قيمتها، في حين أن النقود الاصطلاحية قيمتها في رواجها وقيمتها، حتى لو سلمنا هذا القياس في النقود التي ذكروها، فالتسليم بقياس نقودنا الورقية على ما ذكروه لا يمكن قبوله بسهولة.


(١) انظر: الروضة (٢/ ٢٥٧) ؛ والمجموع (٦/ ١٩٠٤)
(٢) قطع المجادلة عند تغيير المعاملة ورقة (١)
(٣) المغني (٤/ ٣٦٠)
(٤) المغني (٤/ ٣٦٠)
(٥) المغني (٤/ ٣٦٠)
(٦) المغني لابن قدامة (٤/ ١٦٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>