للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ما نحن نؤكد عليه هنا، وهو أنه ما دامت النقود الورقية غير منصوص عليها إذن فلا بد من رعاية ما يحقق العدالة ويرفع الحيف والضرر والضرار دون النظر إلى الشكل.

ويقول ابن عابدين في حاشيته أيضاً مبيناً أهمية القيمة والمالية: "وحاصله أنه إذا اشترى بدرهم فله دفع درهم كامل، أو دفع درهم مكسر قطعتين أو ثلاثة، حيث يتساوى الكل في المالية والرواج.." ثم قال في حكم القروش: "ومنه يعلم حكم ما تعورف في زماننا من الشراء بالقروش.. بقي هنا شيء وهو أنا قدمنا أنه على قول أبي يوسف المفتى به: لا فرق بين الكساد والانقطاع، والرخص والغلاء في أنه تجب قيمتها يوم وقع البيع، أو القرض إذا كانت فلوساً أو غالبة الغش.. أما إذا اشترى بالقروش.. ثم رخص بعض أنواع العملة أو كلها واختلفت في الرخص كما وقع مراراً في زماننا ففيه اشتباه" ثم وصل إلى وجوب دفع الضرر عن الطرفين، ورعاية ما يحقق العدالة دون التقيد بمثلية العملة (١) .

وفي المذهب المالكي نجد القاضي ابن عتاب، وابن دحون، وغيرهما، يقولون بالقيمة في بعض المسائل، حيث جاء في المعيار المعرب: "سئل ابن الحاج عمن عليه دراهم فقطعت تلك السكة؟ أجاب: أخبرني بعض أصحابنا أن أبا جابر فقيه إشبيلية قال: نزلت هذه المسألة بقرطبة، أيام نظري فيها في الأحكام – ومحمد بن عتاب حي ومن معه من الفقهاء، فانقطعت سكة ابن مهور بدخول ابن عباد سكة أخرى وأفتى ابن عتاب بأن يرجع في ذلك من قيمة السكة المقطوعة من الذهب، ويأخذ صاحب الدين القيمة من الذهب، قال: "وأرسل إلي ابن عتاب، فنهضت إليه فذكر المسألة، وقال لي: والصواب فيها فتواي فاحكم بها.. وكان أبو محمد بن دحون (رحمه الله) يفتي بالقيمة يوم القرض، ويقول: إنما أعطاها على العوض، فله العوض" (٢) وقيد الرهوني رد المثل بالمثل بما إذا لم يكن تغيراً لسعر كبير، فقال: "وينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يكثر جدًّا حتى يصير القابض لها كالقابض لما لا كبير منفعة فيه، لوجود العلة التي علل بها المخالف، حيث إن الدائن قد دفع شيئاً منتفعاً به، لأخذ منتفع به، فلا يظلم بإعطائه ما لا ينتفع به" (٣) .

وقد اعتنى المالكية في باب الزكاة عناية كبيرة بالقيمة، حيث ذهبوا إلى أن عشرين ديناراً من الذهب تجب فيها الزكاة، حتى ولو كان فيها نقص من حيث الوزن مادامت مثل الكاملة في الرواج وعلل ذلك الدسوقي بقوله: " لا يخفى أن القيمة تابعة للجودة والرداءة، فالالتفات لأحدهما التفات إلى الآخر" (٤) خلافاً للشافعية وغيرهم في اعتبارهم الوزن (٥) .


(١) حاشية ابن عابدين (٤/ ٢٦)
(٢) المعيار المعرب (٦/ ٤٦١- ٤٦٢)
(٣) نقلاً عن د. شوقي أحمد دنيا: بحثه المقدم في مجلة المسلم المعاصر العدد ٤١ ص (٦١)
(٤) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (١/ ٤٥٥)
(٥) انظر: الروضة (٢/ ٢٥٧) ؛ والمجموع (٦/ ١٩٠٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>