للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما إذا لم يكن كساد بل كانت تروج في بعض البلاد دون بعض، وكان التعاقد في البلد الذي ذهب رواج النقد المعقود عليه فيه، فحينئذ لا يبطل العقد بل يتخير البائع –أو نحوه- إن شاء أخذ قيمته، وإن شاء أخذ مثل النقد الذي وقع عليه العقد، وأما إذا انقطع النقد بحيث لم يبق في السوق، فعليه من الذهب والفضة قيمته في آخر يوم انقطع. أما إذا غلت الدراهم، أو الفلوس أو رخصت قبل القبض لا يبطل العقد، ولكن له ما وقع عليه العقد عند أبي حنيفة، وله قيمتها عند أبي يوسف من الدراهم يوم البيع والقبض.. قال العلامة الغزي: وعليه الفتوى. وهكذا في الذخيرة والخلاصة فيجب أن يعول عليه افتاءً وقضاءً، ثم قال: "وقد تتبعت كثيراً من المعتبرات من كتب مشايخنا المعتمدة، فلم أر من جعل الفتوى على قول أبي حنيفة، بل جعلوا الفتوى على قول أبي يوسف في كثير من المعتبرات، فليكن المعول عليه" (١) ثم علق عليه ابن عابدين بأن الظاهر من كلامهم أن جميع ما مر إنما هو في الفلوس والدراهم التي غلب غشها" (٢) غير أنه ذكر أن بعض الأحناف عمموا الحكم في المغشوشة وغيرها (٣) ثم ذكر ابن عابدين مسألة مما وقعت في عصره، رجح القول فيها بناءً على العدالة، لا على الشكل والتقليد، فقال: "ثم اعلم أنه تعدد في زماننا ورود الأمر السلطاني بتغيير سعر بعض النقود الرائجة بالنقص، واختلف الإفتاء فيه، والذي استقر عليه الحال الآن دفع النوع الذي وقع عليه العقد، لو كان معيناً، كما لو اشترى بمائة ريال إفرنجي، أو مائة ذهب عتيق، أو دفع أي نوع كان بالقيمة التي كانت وقت العقد إذا لم يتعين المتبايعان نوعاً والخيار فيه للدافع كما كان الخيار له وقت العقد، ولكن الأول ظاهر سواء كان بيعاً، أو قرضاً بناءً على ما قدمناه، وأما الثاني، فقد حصل بسببه ضرر ظاهر للبائعين، فإن ما ورد الأمر برخصه متفاوت، فبعض الأنواع جعله أرخص من بعض، فيختار المشتري ما هو أكثر رخصاً وأضر للبائع فيدفعه له، بل تارة يدفع له ما هو أقل رخصاً على حساب ما هو أكثر رخصاً، فقد ينقص نوع من النقود قرشاً ونوع آخر قرشين، فلا يدفع إلا ما نقص قرشين، وإذا دفع ما نقص قرشاً للبائع، يحسب عليه قرشاً آخر نظراً إلى نقص النوع الآخر، وهذا مما لا شك في جوازه". ثم قال: " وكنت قد تكلمت مع شيخي.. فجزم بعدم تخيير المشتري في مثل هذا لما علمت من الضرر، وأنه يفتى بالصلح، حيث كان المتعاقدان مطلقي التصرف بصح اصطلاحهما، بحيث لا يكون الضرر على شخص واحد" ثم علل: كيف أن القضية تدور مع علتها فقال: " فإنه وإن كان الخيار للمشتري في دفع ما شاء وقت العقد وإن امتنع البائع، لكنه إنما ساغ ذلك لعدم تفاوت الأنواع، فإن امتنع البائع عما أراده المشتري يظهر تعنته، أما في هذه الصورة فلا؛ لأنه أظهر أنه يمتنع عن قصد إضراره، فعدم النظر له بالكلية مخالف لما أمر به من اختيار الأنفع له فالصلح حينئذ أحوط، خصوصاً والمسألة غير منصوص عليها بخصوصها.. فينبغي أن ينظر في تلك النقود التي رخصت، ويدفع من أوسطها نقصاً، لا الأقل، ولا الأكثر، كي لا يتناهى الضرر على البائع، أو على المشتري" (٤) .


(١) رسالة النقود ص (٢/ ٥٩)
(٢) رسالة النقود (٢/ ٦٠- ٦١) ؛ والهداية وفتح القدير (٧/ ١٥٥)
(٣) النقود (٢/ ٦٢) ؛ وفتح القدير (٧/ ١٥٤- ١٥٨)
(٤) النقود (٢/ ٦٦) ؛ ويراجع فتح القدير (٧/ ١٥٤- ١٥٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>