للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول النووي: "ويرد المثل في المثلي" ثم يعلق عليه شارحه ابن حجر بقوله: "ولو نقداً أبطله السلطان؛ لأنه أقرب إلى حقه" ثم يزيد المحشي في التعليق: "فشمل ذلك ما عمت به البلوى في زمننا في الديار المصري من إقراض الفلوس الجدد، ثم إبطالها، وإخراج غيرها وإن لم تكن نقداً" (١) ونص الحنابلة أيضاً على أن القرض إذا كان فلوساً، أو مكسرة فحرمها السلطان، وتركت المعاملة بها كان للمقرض قيمتها، ولم يلزمه قبولها سواء كانت قائمة في يده، أو استهلكها؛ لأنها تعيبت في ملكه، نص عليه أحمد في الدراهم المكسرة، أما الغلاء والرخص، فلا يؤثران في المثل، والمسألة تعم جميع العقود الواردة على الذمة (٢) .

وذهب أبو حنيفة أيضاً إلى وجوب المثل في جميع الحالات، بالنسبة للقرض، أما البيع فيبطل إذا كسد الثمن قبل القبض، أو انقطع، وعند الصاحبين لا يبطل البيع، بل يلاحظ القيمة، أما في القرض، فيرى محمد وجوب المثل عند تغير القيمة، ووجوب القيمة في حالتي الكساد والانقطاع، وأما أبو يوسف، فيرى اعتبار القيمة في الحالات الثلاث (٣) .

ب- اتجاه يعتبر القيمة:

وذهب جماعة –منهم أبو يوسف، ومحمد في بعض الأحوال، وبعض فقهاء المالكية ووجه للشافعية، وبعض الحنابلة- إلى اعتبار القيمة على التفصيل الآتي:

يقول ابن عابدين: "قال في الولوالجية.. رجل اشترى ثوباً بدراهم نقد البلدة، فلم ينقدها حتى تغيرت، فهذا على وجهين: إن كانت تلك الدراهم لا تروج اليوم في السوق أصلاً فسد البيع؛ لأنه هلك الثمن، وإن كانت تروج لكن انتقص قيمتها لا يفسد، لأنه لم يهلك، وليس له إلا ذلك، وإن انقطع بحيث لا يقدر عليها فعليه قيمتها.." ثم قال: "يجب رد مثله. هذا كله قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: يجب عليه قيمة النقد الذي وقع عليه العقد من النقد الآخر يوم التعامل، وقال محمد: يجب آخر ما انقطع من أيدي الناس، قال القاضي: الفتوى في المهر والقرض على قول أبي يوسف، وفيما سوى ذلك على قول أبي حنيفة.. انتهى". قال التمرتاشي: اعلم أنه إذا اشترى بالدراهم التي غلب غشها، أو بالفلوس وكان كل منهما نافقاً حتى جاز البيع، لقيام الاصطلاح على الثمنية، ولعدم الحاجة إلى الإشارة لالتحاقها بالثمن ولم يسلمها المشتري للبائع، ثم كسدت، بطل البيع، والانقطاع على أيدي الناس كالكساد، وحكم الدراهم كذلك فإذا اشترى بالدراهم، ثم كسدت، أو انقطعت، بطل البيع، ويجب على المشتري رد المبيع إن كان قائماً ومثله إن كان هالكاً وإن كان مثليًّا، وإلا فقيمته، وإن لم يكن مقبوضاً، فلا حكم لهذا البيع أصلاً، وهذا عند الإمام الأعظم، وقالا: لا يبطل البيع؛ لأن المتعذر إنما هو التسليم بعد الكساد، وذلك لا يوجب الفساد، لاحتمال الزوال بالرواج، كما لو اشترى شيئاً بالرطبة، ثم انقطع، وإذا لم يبطل وتعذر تسليمه، وجبت قيمته، لكن عند أبي يوسف يوم البيع، وعند محمد يوم الكساد، وهو آخر ما تعامل الناس بها، وفي الذخيرة الفتوى على قول أبي يوسف، وفي المحيط والتتمة والحقائق بقول محمد يفتى، رفقاً بالناس، ولأبي حنيفة أن الثمنية بالاصطلاح فيبطل، لزوال الموجب فيبقى البيع بلا ثمن، والعقد إنما يتناول عينها بصفة الثمنية، وقد انعدمت بخلاف انقطاع الرطب، فإنه يعود غالباً في العام القابل، بخلاف النحاس، فإنه بالكساد رجع إلى أصله، وكان الغالب عدم العود (٤)


(١) المنهاج مع تحفة المحتاج. مع حاشية الشيرواني (٥/ ٤٤)
(٢) المغني: (٤/ ٣٦٠) وفي مطالب أولي النهى (٣/ ٣٤٠- ٣٤١) أن هذا الحكم ليس خاصًّا بالقرض. بل يشمل أجرة الصداق. وعوض الخلع ونحوهما إذا كانت بفلوس، أو نقود مغشوشة آجلة. ثم حرمها السلطان، فيكون الوفاء بالقيمة
(٣) رسالة النقود لابن عابدين (٢/ ٥٩- ٦٢) ؛ وفتح القدير (٧/ ١٥٤)
(٤) رسالة النقود (٢/ ٥٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>