٥- ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مختصر الفتاوى ص/٣٧٦ أن من استأجر ما تكون منفعة إدارته لعامة الناس، مثل الحمام والفندق والقياسية، فنقصت المنفعة المعروفة لقلة الزبون أو لخوف أو حرب أو تحول سلطان ونحوه فإنه يحط عن المستأجر من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة.
٦- وقال ابن قدامة أيضًا في الصفحة ٢٩ من الجزء السابق الذكر نفسه (لو استأجر دابة ليركبها أو يحمل عليها إلى مكان معين، فانقطعت الطريق إليه لخوف حادث أو اكترى إلى مكة فلم يحج الناس ذلك العام من تلك الطريق فلكل واحد منهما فسخ الإجارة وإن أحب إبقاءها إلى حين إمكان الاستيفاء جاز) . وقال الكاساني من فقهاء الحنفية في الإجارة من كتاب بدائع الصنائع (ج ٤ ص/١٩٧) : (إن الفسخ في الحقيقة امتناع من التزام الضرر، وأن انكسار الفسخ عند تحقق العذر خروج عن العقد والشرع، لأنه يقتضي أن من اشتكى ضرسه، فاستأجر رجلًا لقلعها، فسكن الوجع يجبر على القلع وهذا قبيح عقلًا وشرعًا) .
هذا وقد ذكر فقهاء المذاهب في حكم الأعذار الطارئة في المزارعة والمساقاة والمغارسة شبيه ما ذكروا في الإجارة.
٧- قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده وقرر كثير من فقهاء المذاهب في الجوائح التي تجتاح الثمار ببرد أو صقيع، أو جراد، أو دودة، ونحو ذلك من الآفات، أنها تسقط من ثمن الثمار التي بيعت على أشجارها ما يعادل قيمة ما أتلفته الجائحة وإن عمت الثمر كله تسقط الثمن كله.
٨- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه ((لا ضرر ولا ضرار)) وقد اتخذ فقهاء المذاهب من قوله هذا قاعدة فقهية اعتبروها من دعائم الفقه الأساسية، وفرعوا عليها أحكامًا لا تحصى في دفع الضرر وإزالته في مختلف الأبواب.
ومما لا شك فيه أن العقد الذي عقد وفقًا لنظامه الشرعي يكون ملزمًا لعاقديه قضاءً عملًا بقوله تعالى في كتابه العزيز:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة:١] .
ولكن قوة العقد الملزمة ليست أقوى من النص الشرعي الملزم للمخاطبين به كافة، وقد وجد المجمع في مقاييس التكاليف الشرعية، ومعايير حكمة التشريع، أن المشقة لا ينفك عنها التكليف عادة بحسب طبيعته، كمشقة القيام في الصلاة، ومشقة الجوع والعطش في الصيام، لا تسقط التكليف ولا توجب فيه التخفيف، ولكنها إذا جاوزت الحدود الطبيعية للمشقة المعتادة في كل تكليف بحسبه، أسقطته أو خففته، كمشقة المريض في قيامه للصلاة ومشقته في الصيام، وكمشقة الأعمى والأعرج في الجهاد، فإن المشقة المرهقة عندئذ بالسبب الطارئ الاستثنائي، توجب تدبيرًا استثنائيًّا يدفع الحد المرهق منه، وقد نص على ذلك وأسهب في بيانه، وأتى عليه بكثير من الأمثلة في أحكام الشريعة الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله في كتابه (لموافقات في أصول الشريعة) .