وفي مثل هذا الاتجاه يقول الدكتور نزيه حماد معللًا لتحقيق العدل في المعاملات المالية لإيجاد أداء قيمة النقد الذي طرأ عليه الغلاء أو الرخص يوم ثبوته في الذمة هو الأولى بالاعتبار من رأي الجمهور الذاهبين أن الواجب على المدين أداؤه إنما هو نفس النقد المحدد في العقد والثابت في الذمة دون زيادة أو نقصان، وذلك لاعتبارين:
(أحدهما) : أن هذا الرأي هو الأقرب للعدالة والإنصاف فإن المالين إنما يتماثلان إذا استوت قيمتهما، وأما مع اختلاف القيمة فلا تماثل، والله يأمر بالقسط.
(والثاني) : أن فيه رفعًا للضرر عن كل من الدائن والمدين فلو أقرضه مالًا فنقصت قيمته، وأوجبنا عليه قبول المثل عددًا تضرر الدائن لأن المال الذي تقرر ليس هو المستحق، إذ أصبح بعد نقصان القيمة معيبًا بعيب النوع المشابه لعيب العين المعينة (حيث إن عيب العين المعينة، هو خروجها عن الكمال بالنقص، وعيب الأنواع نقصان قيمتها) ولو أقرضه مالًا فزادت قيمته، وأوجبنا عليه أداء المثل عددًا تضرر المدين، لإلزامه بأداء زيادة عما أخذ.. والقاعدة الشرعية الكلية أنه لا ضرر ولا ضرار.
إن الرأي الذي استظهره الرهوني من المالكية بلزوم المثل عند تغير النقد بزيادة أو نقص إذا كان ذلك التغير يسيرًا، ووجوب القيمة إذا كان التغير فاحشًا أولى في نظري من رأي أبي يوسف المفتى به عند الحنفية بوجوب القيمة مطلقًا وذلك لاعتبارين:
أحدهما: أن التغير اليسير مغتفر قياسًا على الغبن اليسير والضرر اليسير المغتفرين شرعًا في عقود المعاوضات المالية، من أجل رفع الحرج عن الناس، نظرًا لعسر نفيهما في المعاملات بالكلية، ولغرض تحقيق أصل تشريعي مهم، وهو استقرار التعامل بين الناس بخلاف الغبن الفاحش. والغرر الفاحش فإنهما ممنوعان في أبواب البيوع والمعاملات.
والثاني: أن التغير اليسير مغتفر تفريعًا على القاعدة الفقهية الكلية (أن ما قارب الشيء يعطى حكمه) بخلاف التغير الفاحش، فإن الضرر فيه بين والجور فيه محقق. (١)