للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما في قصة عزير فقد تحلل الجسد وذهب وصرحت القصة بالموت صراحة ثم البعث بعد جمع العظام والأشلاء، فقالت {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} إلى أن قالت {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا} .

٢- حرص القرآن في القصة على أن يعلمنا كيف نحفظ الأجساد حين ذهاب العقل حتى لا يتلف الجسد ويفقد الحياة إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، ويفيق الإنسان أو ترد إليه الحياة الشعورية، وذلك بأمرين:

أولهما: التدفئة المناسبة.

ثانيهما: التقليب المستمر.

وكأن القصة بهذا تعلمنا صورة من صور التمريض المتقدم، والتي تقول: يستمر الإنسان في الحياة بدون القوى العاقلة فترات طويلة، بشرط كفاءات التمريض، وعلاج الأمراض العارضة وانتظام الغذاء الأنبوبي والعناية المستمرة بالجلد وتقليبه، أو تغيير أوضاع المريض كل ساعتين بصفة مستمرة، لمنع قرح الفراش، مع العناية بتصريف البول والبراز وإذا تم ذلك بعناية يمكن أن يعيش الإنسان حياة عادية حتى سن الستين "ونلحظ في القصة أن القرآن يركز على عنصرين أساسيين: التدفئة والتقليب الجسدي المستمر، أما الغذاء فهو غذاء رباني تولاه الله، ومثل هذا الغذاء لا بول معه ولا براز فبقي ما ذكرته القصة من التقليب والتدفئة المشار إليهما في القصة بقوله تعالى {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} هذه هي التدفئة، وقوله تعالى {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} هذه هي العناية السريرية.

إذن فقصة أصحاب الكهف قصة فقدان للإحساس والشعور استمر ثلاثمائة عام ولم يسم هذا القرآن موتًا وإنما سماه إيقاظًا لأن الجسد لم يفقد طبيعته أو يتحلل أما في قصة عزير فالأمر مختلف ولهذا سماه القرآن موتًا وبعثًا.

فلماذا نسمي من يفقد الإحساس لبضعة أيام ميت، ولم يسمه القرآن كذلك في ثلاثمائة عام وازدادوا تسعًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>