للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن لا يعد تعطل الإحساس موتًا.

إن تعطل الإحساس لا يدل على فقد الحياة اللهم إلا إذا كان ذلك على سبيل المجاز أو التشبيه، فلا يقول عاقل مثلًا أن النائم ميت، ولا يقول أن المجنون فاقد للحياة، كما لا يقال ذلك لناقص الأهلية كالصبي غير المميز، لا يقال إن هؤلاء يعاملون معاملة الأموات، كما لا يقال أن المريض حين يكون في غيبوبة طالت أم قصرت تحت أي ظروف يعامل معاملة الأموات، إلا إذا كان الموت والحياة أصبح بيد البشر وحاشا لله أن يدعي أحد ذلك.

ولهذا نرى القرآن الكريم يقص علينا قصة غيبوبة طويلة ظلت ثلاثمائة عام، وظل الجسد فيها صالحًا ثم عاد إليه الإحساس بعد تلك المدة الطويلة وبعد هذه الغيبوبة الكبيرة ولم يسم ذلك القرآن موتًا. مع العلم أن تسمية ذلك موتًا كان سهلًا وميسورًا ويدل في نظر البعض على معجزة تساوي حفظ الأجساد حية. وهي المعجزة التي أظهرتها القصة الآتية.

قال تعالى {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (١٠) فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (١١) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (١٢) } أجمع الفقهاء والمفسرون على أن كلمة بعثناهم معناها أيقظناهم لأن أجسامهم كانت حية وفيها الحياة ولم تفقدها بدليل قول الله في الآيات بعد ذلك {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} إلى أن قال: {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} .

فرق بين موت وحياة:

والناظر في القصتين قصة عزير السابقة وقصة أصحاب الكهف هذه يلاحظ في النظرة العجلى أمورًا منها:

١- عبر القرآن في قصة أصحاب الكهف بقوله {فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ} ولم يقل فأمتناهم أو ألقينا عليهم الموت، مثلًا وإنما خلت القصة من ذكر الموت تمامًا لأنه فقدان للإحساس فقط، والحياة مستمرة، ولهذا حرص القرآن على أن ينبهنا إلى سلامة الجسد وعلى عدم تحلله، بل وعلى نماء شعورهم في تلك الفترة الطويلة التي ذكرها القرآن على خلاف العادة وهي {ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (٢٥) } ونماء ما ينمو في الجسد مثل الأظافر وغيرها وذلك مشار إليه في القصة بقوله {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} وذلك لطول شعورهم ونمو أظافرهم ولحاهم إلى غير ذلك مما يغير الملامح ويخيف عند زيادته عن المألوف والمتعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>