للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الأول

صور كساد العملة وانقطاعها عند الفقهاء

تعريف الكساد والانقطاع عند الفقهاء:

يعرف الأحناف كساد العملة بأنه ترك المعاملة بها في جميع البلاد، أما انقطاع العملة فإنه عدم وجودها في السوق وإن وجدت عند الصيارفة وفي البيوت (١) .

فالكساد، إذن، ترك الناس التعامل بالنقد سواءً كان النقد قائما موجودًا في أيدي الناس أو لا. وقد تنقطع العملة دون أن تكون كاسدة، وذلك بأن لا توجد في الأسواق، رغم أن الناس لم يتركوا التعامل بها برغبتهم، ولكن واقعة عدم وجودها تفرض عدم التعامل بها (٢) . وكذلك، قد تكسد العملة، دون أن تنقطع، بأن يرغب الناس عن التعامل بها، زهدًا بها من أنفسهم، أو تنفيذًا لنهي السلطان عنها.

ويشترك الكساد والانقطاع، إذن، بأن كليهما يعني، أن المعاملات بين الناس تعترضها مشكلات إذا أريد أن يتم تنفيذها بالنقد، إما لعدم توفره في السوق، أو لعدم رغبة الناس به عزوفًا منهم عنه، أو لمنع السلطان التعامل به، رغم وجوده في السوق في الحالتين الأخيرتين.

ولم أجد عند غير الأحناف تعريفًا للكساد أو الانقطاع وإن كان كل منهما مذكورًا ومعروفًا عند الفقهاء كلهم.

فالرهوني مثلًا يتحدث في حاشيته عن "بطلان الفلوس"، "وعن قطع السكة في الدراهم والدنانير" و"إبدالها بسكة غيرها" و"إهمالها جملة" و"السكة المقطوعة" وقد فرق بين "ما إذا عدمت السكة" وما إذا "قطع التعامل بها مع وجودها" (٣) مما يدل على أن "عدم التعامل بالسكة رغم وجودها" عند الرهوني هو ما يقابل صورة الكساد المتميزة عن صورة الانقطاع عند الأحناف، ولكن الرهوني يشير أيضًا إلى "قطع السكة وإبدالها بغيرها" وهي أيضًا صورة للكساد عند الأحناف. كما أن "تبديل السكة بأخرى وإهمال الأولى جملة" قد يكون بعزوف الناس عن القديمة وليس بمنعها من قبل السلطان. الأمر الذي يجعل تعابير الرهوني تغطي حالتي الكساد عند الأحناف وكذلك حالة الانقطاع أيضًا، لأنه يضمن في صور فساد الفلوس أو قطعها (وقد استعمل اللفظتين في جملة واحدة) حالتي وجود الفلوس رغم انقطاعها، وانعدامها كلية (٤) .

ويلاحظ عند الرهوني استعمال كلمات الفساد، والكساد، والبطلان، والانقطاع دون تمييز لمعانيها عن بعضها البعض، ولا يخرج عن ذلك ما جاء في المعيار المعرب للونشريسي (٥) .


(١) رسالة تنبيه الرقود على مسائل النقود ضمن رسائل ابن عابدين، ج ٢ ص٥٨؛ وحاشية رد المحتار له أيضًا، ج ٤ ص١١٨؛ ودرر الحكام لعلي حيدر ج ١ ص١٢٥
(٢) ومع ذلك قد تبقى عملة في تعامل الناس رغم عدم وجودها سواء في الأسواق أو في غيرها. وعندئذ تصبح بمثابة وحدة حسابية فقط، كما أشرنا إلى ذلك
(٣) حاشية الرهوني ج ٥ ص ١١٨-١٢٣
(٤) الرهوني ج ٥ ص١٢٠ وص١٢٢
(٥) المعيار المعرب ج ٦ ص١٦٣-١٦٤

<<  <  ج: ص:  >  >>