للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما صاحب المغني، فيتحدث عن تحريم السلطان للفلوس والدراهم المكسرة، وترك المعاملة بها، واتفاق الناس على تركها. وتعامل الناس بها رغم تحريم السلطان لها، أو عدمه (١) ويذكر بعض هذه المصطلحات صاحب مجلة الأحكام الشرعية على المذهب الحنلبي (٢) .

أما المرداوي فقد ذكر أيضًا تحريم السلطان للفلوس، أو الدراهم المكسرة، سواءً تعامل الناس بها رغم التحريم، أو لم يتعاملوا، وقد سمى ذلك بطلانًا للعملة بأمر السلطان أو كسادًا فيها (٣) . ومن الواضح أنه لم يشر إلى حالة عدم وجود العملة في الأسواق.

ويفهم من مناقشة النووي أن حالة إبطال السلطان المعاملة بالعملة لا تقتضي عدم وجودها في السوق، فهو يذكر أن المعقود عليه (أي النقد المبطل) باق مقدور على تسليمه (٤) ، وهذه هي إحدى صورتي الكساد عند الأحناف، ثم يستعمل كلمة الانقطاع بمعنى عدم وجود النقد مطلقًا فيقول ببطلان العقد إذا جرى بنقد قد انقطع من أيدي الناس "لعدم القدرة على التسليم" أما إذا توفرت القدرة على التسليم – ولو بنقل النقد من بلد آخر- فالعقد صحيح مما يدل على أن النووي لا يعتبر عدم توفر العملة في بلد العقد انقطاعًا إذا وجدت في البيوت أو عند الصيارفة، لأن وجودها هذا أولى من وجودها في بلد آخر (٥) .

وكذلك نجده يتحدث أيضًا عن صحة العقد إذا كان النقد عزيزًا على قول من يجيز الاستبدال على الثمن لإمكان سداد بدل الثمن مما هو رائج، ولا يصح البيع على القول بعدم الاستبدال (٦) .

ونخلص من كل ما مضى إلى أن هنالك تداخلًا كبيرًا في معاني مصطلحي الكساد والانقطاع في العملة عند الفقهاء وأن كثيرًا منهم قد استعمل ألفاظًا أخرى، كالبطلان، والفساد، وغيرها، لبعض هذه المعاني، وبذلك فإننا نرى أنه للخروج من مأزق المصطلحات هذا لابد لنا من النظر في الصور نفسها التي ذكرها الفقهاء في باب الكساد والانقطاع، وأن تصنف اجتهادات العلماء في أحكامها، ونوقعها على تلك الصور، لأن ذلك – في نظري - هو أفضل السبل للتوصل إلى فهم كيفية معالجة النقود المعاصرة، على ضوء ما عولجت به مشكلات النقود التي تحدث عنها الفقهاء.

صور الكساد والانقطاع:

ويمكن حصر صور الكساد والانقطاع التي تحدث عنها الفقهاء بحالتين كليتين، يتفرع عن كل منهما عدد من الصور كما يلي:

أ- الحالة الأولى: منع السلطان التعامل بالنقد:

ويتأسس على هذه الحالة الصور التالية:

١- منع التعامل بالنقد واستبداله بنقد جديد، بنفس القيمة مع عدم وجود القديم في جميع البلاد، وعدمه عند الصيارفة.


(١) ابن قدامة ج ٤ ص٣٦٥
(٢) أحمد بن عبد الله القاري ص١٢٨
(٣) الإنصاف ج ٥ ص١٢٧ - ١٢٨
(٤) المجموع ج ٩ ص ٣٠٩
(٥) المجموع ج ٩ ص٣٦٤
(٦) المجموع ج ٩ ص١٦٤

<<  <  ج: ص:  >  >>