للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨ - الصورة الثامنة:

رغبة الناس عن التعامل بالنقد، مع وجوده في الأسواق.

وهنا يعرض الناس عن النقد، دون أمر من السلطان ودون فقدانه من الأسواق ولا أجد سببًا لإعراضهم، إلا أن يصبح النقد رخيصًا جدًّا (١) ، أو يتعرض النقد لفقدان ثقة الناس بثباته، ولعدم اطمئنانهم لمستقبل قيمته، مع توقعهم لانخفاض كبير، غير معلوم المعيار، ولكنهم يقيسون على تجاربهم الماضية في التعامل بالنقد، وهي تجارب تنبئ بالتوقع المذكور، وهنا يحرص المتعاملون على التخلص منه بأكبر سرعة ممكنة، فهم يقبلونه بالتعامل، ولكنهم لا يرغبون بقاءه في أيديهم، أي أن النقد لم يفقد وظيفته كمعيار للقيم الحالية، ولكنه فقد وظيفة استيداعه للقيمة، فهو لا يصلح مخزنًا للقيمة، كل ذلك يجعل النقد قليل الأهمية في المعاملات الآجلة، فهو متروك في كل البلدان فيما يتعلق بوظيفته كمخزن للقيمة وكمعيار للمعاملات الآجلة، ومع ذلك، فإن لهذه العملة، المعزوف عنها، سعرًا في السوق، كل يوم، لأن الناس يتعاملون بها ويبادلونها بعملة أخرى، رائجة فيما بينهم، فهي موجودة في الأسواق، ولكنها مرغوب عنها، يسعى الناس إلى التخلص منها، كلما وقعت في أيديهم.

والمشكلة لا تنشأ عن إحجام الناس عن إجراء المعاملات الآجلة بهذه العملة المعزوف عنها (٢) ، ولكن المسألة موضع البحث هي كيفية معالجة التزامات سابقة تعاقد عليها الناس، يوم أن كانت تلك العملة رائجة، وقد تركها الناس الآن في المعاملات المهمة، وبخاصة الآجلة منها، أو ذات العلاقة بوظيفة النقد كمخزن للقيمة.

وإذا كان النقد سلعيًّا، فإنه يصعب تصور عزوف الناس عنه، إلا إذا كان الفارق كبيرًا بين قيمته كسلعة تباع في الأسواق وتشترى، وبين قيمته النقدية في الاصطلاح الرسمي الذي يفرضه السلطان، لأن رغبة الناس عن هذا النقد، تؤدي إلى هبوط قيمته الاصطلاحية إلى أن تصل هذه القيمة إلى مستوى قيمته السلعية، عندئذ لا معنى لأي هبوط في القيمة الاصطلاحية دون ذلك المستوى، لأن هذا سيخرجه من الأسواق كنقد إلى إذابته واستعماله سلعة، أو مادة أولية خام، وبالتالي، فإن النقود السلعية تضع حدًّا أدنى لهبوط القيمة – الذي تبقى معه العملة في التعامل - هو القيمة السلعية للنقد.


(١) يقال إن العملة الألمانية قبل الحرب العالمية الثانية بلغت من الرخص، أن اللصوص، كانوا يفضلون سرقة السلال، والأكياس، التي توضع فيها الكميات الكبيرة من النقود، عن سرقة النقود نفسها
(٢) لأنهم - بعد اهتزز الثقة بالعملة وعزوفهم عنها- لا يجرون عقودهم الآجلة بها بداهة

<<  <  ج: ص:  >  >>