للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- إذا لم يعين العقد نقدًا معينًا، فالخيار للمشتري في دفع أي نوع بالقيمة التي كانت وقت العقد.

ويعترض ابن عابدين على الجزء الثاني من الفتوى، ويقول: إنه يؤدي إلى الظلم، لأن المشتري سيختار "ما هو أكثر رخصًا وأضر للبائع" وهو يجزم في هذه الصورة، أنه لا يصح تخيير المشتري، وأنه يفتى بالصلح لأنه أحوط "كي لا يتناهى الضرر على البائع أو على المشتري" (١) .

ووقوع هذه الصورة في زمانه يفترض خلفية مهمة، وهي أن الناس تعارفوا على التعامل بعملة، لم يقصدوها إلا لبيان مقدار الثمن، وقصدوا أن يكون الدفع بغيرها، وهو بذلك يفترض استعمال نوع من الوحدة الحسابية، جرى العرف على أن لا ينفذ الدفع بها، يشرح ذلك ابن عابدين، فيقول: "وإنما الشبهة فيما تعارفه الناس من الشراء بالقروض ودفع غيرها بالقيمة، فليس هنا شيء معين، حتى نلزمه به، سواء غلا أو رخص ... [و] القروش في زماننا بيان لمقدار الثمن، لا لبيان نوعه، ولا جنسه.. " (٢) ويشرح ذلك بمثال، شخص باع سلعة بمائة قرش، رضي بها لأنها تعادل مقدارًا معلومًا من كل من العملات الرائجة، فكان الريال بمائة قرش مثلًا، ثم رخصت – بالنسبة للقروش - عملة معينة منها، أو رخصت كلها ولكن بنسب متفاوتة، بأمر من السلطان، فإن البائع يتضرر لو ترك الخيار للمشتري ليدفع بالعملة التي رخصت، أو بأكثر العملات رخصًا "فإن ألزمنا البائع بأخذ ما يساوي التسعين [أي الريال حسب سعره الجديد] بمائة [وهي السعر القديم للريال] ، فقد اختص به الضرر، وإن ألزمنا المشتري بدفعه [أي الريال الجديد] بتسعين، اختص به الضرر". لأنه سيدفع عندئذٍ ريالًا وتسع ريال سدادًا لدينه. "فينبغي وقوع الصلح على الأوسط، والله تعالى أعلم" (٣) .

أما إذا تساوت كل العملات في الإرخاص من قبل السلطان (ويبدو أن مثلها لو كانت هناك عملة واحدة فأرخصت) فإن ابن عابدين يقول: "لما قلنا إلا بلزوم العيار، الذي كان وقت العقد، كأن صار مثلًا ما كان قيمته مائة قرش من الريال، يساوي تسعين قرشًا" (٤) ويلاحظ هنا أن تخفيض أسعار جميع العملات الرائجة يجعل هذه الصورة مثل الصورة الثانية، فهي إذن مثل مسألة تغيير الموازين والمكاييل، يجب فيها ما تم التعاقد عليه، وهو العيار الذي كان وقت العقد، ويعتبر غير ذلك أكلًا لأموال الناس بالباطل.


(١) تنبيه الرقود ص٦٤
(٢) تنبيه الرقود ص٦٤- ٦٥
(٣) تنبيه الرقود ص٦٤-٦٥
(٤) تنبيه الرقود ص٦٤- ٦٥

<<  <  ج: ص:  >  >>