للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦ - الصورة السادسة:

فرض السلطان لنقد جديد، مع بقاء القديم في أيدي الناس.

وهذه الصورة كانت كثيرة الحدوث فعلًا، فكثيرًا ما كان السلطان يفرض نقدًا جديدًا، من الذهب، أو الفضة، أو الفلوس، مغشوشة، أو خالصة، ويترك، في الوقت نفسه، العملات السابقة في السوق، وبين أيدي الناس، ولقد أدى ذلك في كثير من الأوقات، إلى وجود عملات كثيرة في السوق، إذ يكاد كل واحد من الفقهاء، يذكر أمثلة، وأسماء لعملات، على أنها موجودة بوقت واحد مع بعضها.

ولاشك أن قاعدة غريشام (هروب كل عملة تزيد قيمتها كسلعة عن قيمتها الاصطلاحية من السوق) تنطبق في هذه الحالة، إذ كلما ارتفعت القيمة السوقية للسلعة التي تتركب منها عملة من العملات، عن قيمة العملة المرسومة، كلما عمد الناس إلى إذابة معدنها، وبيعه بدلًا من إمساكها عملة.

ومن الواضح أيضًا أن هذه الصورة ينطبق عليها حكم "المثل" إذا كان النقد معينًا في العقد، كأن يقول بمائة درهم مملوكي مثلًا، أما إذا لم يكن معينًا في العقد فينصرف إلى ما كان متعارفًا زمن العقد، يقول ابن عابدين: "وأما إذا أطلق، كأن قال بمائة ريال أو مائة ذهبًا، فإن لم يكن إلا نوع واحد من هذا الجنس، ينصرف إليه، وصار المسمى، فإن كان منه أنواع، إن كان أحدها أروج من الآخر، وغلب تعاملًا، ينصرف إليه، لأنه المتعارف، فينصرف المطلق إليه، وصار كالمسمى أيضًا (سواء اتفقت ماليتها أو اختلفت) . وإن اتفقت رواجًا، فإن اختلفت مالية، فسد البيع، ما لم يبين في المجلس ويرضى الآخر (١) وإذا استوت في المالية والرواج، كان الخيار للدافع ولا يؤبه لتعنت البائع".

٧ - الصورة السابعة:

تغيير السلطان قيمة النقد.

وقد أشار ابن عابدين إلى هذه الصورة بقوله: "ثم اعلم، أنه تعدد في زماننا، ورود الأمر السلطاني، بتغيير سعر بعض من النقود الرائجة، بالنقص، واختلف الإفتاء فيه" (٢) فمن الواضح إذن أن متأخري الأحناف قد عرفوا ما نسميه اليوم بتخفيض القيمة الرسمية للنقد، الذي يحصل بقرار من الحكومة، ويتابع ابن عابدين فيذكر أن الفتوى قد استقرت، في زمانه، على أمرين:

١- إذا كان العقد قد عين عملة بذاتها، فإن سداد الدين يكون بها رغم رخصها، ويبدو أنه بذلك يعتبر الانخفاض في قيمة النقد مصيبة أصابت صاحبها، كما يبتلى المرء بماله، رخصًا، أو هلاكًا، أو ضياعًا.


(١) تنبيه الرقود ص٦٢
(٢) تنبيه الرقود ص٦٤

<<  <  ج: ص:  >  >>