وبينت في بحثي أن المذاهب الأربعة أجمعت على أن القروض ترد بأمثالها، لم يشذ أحد منهم، وليس في ذلك خلاف إلا ما أشار إليه بعض الإخوة من أن بعضهم فرق بين ما إذا كان مماطلًا – المدين مماطلًا- أو غير مماطل وهذا تفريق وجيه. فهناك إجماع –فيما ظهر لي- بين الفقهاء المتقدمين على أنه لا عبرة بغلاء النقود أو رخصها مهما كان، حتى لو وصل إلى درجة الكساد الجامح كما يعبر إخواننا الاقتصاديون، بل ولو زاد عليه. وقد سمعنا عبارة أنه لو كان بمائة وصار بألف لا يؤثر هذا ما دام النقد موجودًا ومتعاملًا به يرد المثل مهما بلغ. هذه هي نصوص الفقهاء –في رأيي- لا لبس فيها.
نظرية الظروف الطارئة، وهذا الدليل الثالث وهو دليل عجيب في رأيي؛ لأن الظروف الطارئة كما يعرفها صاحب هذا البحث، يعرف علماء القانون الظروف الطارئة بأنه ظرف يحصل بعد التعاقد بصورة مفاجئة لم تكن في حسبان العاقدين، فهل التضخم الجامح يحصل بصورة مفاجئة لم تكن في حسبان العاقدين؟ التضخم يبدأ بـ ١? ويسير إلى أن يصل ٣٠? فيصبح تضخمًا جامحًا. وإذا قالوا: إن التضخم الجامح هذا قد ينطبق على صورة فقط فيما إذا كانت الدولة هي التي خفضت سعر العملة مفاجأة وكان هناك دائن ومدين، ماذا نفعل؟ هل نحمل المدين قرار الحكومة هذا، ونطالبه بأن يدفع ما استدانه أضعافًا مضاعفة؟ لنفرض أنني استدنت اليوم مائة ألف من شخص من عملة ما، وأصدرت الدولة غدًا قرارًا بتخفيض هذه العملة، والمبلغ الذي استدنته موجود عندي وكان من الممكن لو انتظرت إلى الغد أن يكون موجودًا عند الدائن فكيف أحمل أنا هذه المصيبة؟ أليس هذا هو الظلم بنفسه؟ يقول أحد الإخوة عن التضخم وعن حكومة السودان وهل ترضى بهذا التضخم؟ نعم حكومة السودان لا ترضى بالتضخم ولكنها تفعله وقد اعترفوا بهذا، إن لم يكونوا يفعلون كل التضخم، فالسبب الأساسي والرئيسي يرجع إلى الحكومات وليس حكومة السودان وحدها. وقد طلب من هيئة الرقابة الشرعية في بنك السودان معاجلة هذه المسألة. اتضح أن هناك عزوفًا عن الإيداع في البنوك فأرادت الدولة أن تشجع الناس على وضع أموالهم في البنوك فاتضح أن نسبة كبيرة جدًّا في أيدي أصحابها فتقدموا باستفتاء للهيئة، هو في موضوعنا، بأن تضمن الدولة فرق التضخم كله أو جزءًا منه للمودعين في البنوك، وأن تضمن أيضًا فرق التضخم لمن يودعون ودائع واستثمار، فأفتت الهيئة بأنه لا يجوز أن تضمن ما يتعلق بالقرض؛ لأن هذا ربا. ولكن بالنسبة لودائع الاستثمار وافقت الهيئة على أن تضمن فرق التضخم أو جزءًا منه من غير أن تضمن رأس مال المضاربة ولا أن تضمن ربحًا. المضاربة بين رب المال وبين البنك، هو الذي يضارب قد تربح هذه أو تخسر بحسب رأس المال الذي دفعه، لكن عمل الدولة (ضمانة) لا يكون لرأس المال هذا ولا لربحه، وإنما إذا ربح رأس المال فأصبحت المائة مائة وعشرة تضمن فرق التضخم لهذه المائة وعشرة، أو إذا خسر البنك وأصبحت المائة تسعين تضمن فرق التضخم لهذه التسعين، فوافقت الهيئة على هذا على أن تكون تجربة وإلى الآن لم تظهر نتيجتها؛ لأنه كان بعض الاقتصاديين يعتقد أنه قد يكون في هذا علاج للتضخم. ثم قلنا للذين قدموا هذا: إذا كنتم تعترفون بأنكم سبب في هذا التضخم وتريدون أن تضمنوه لهاتين الفئتين والتضخم يصيب عامة الناس فلم لا تضمنونه للجميع؟ فلم يكن عندهم رد سوى أن هذا لا يمكن وأن عمليتنا هذه قد تؤدي إلى انخفاض التضخم فينتفع به الناس عامة.