للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن المعروف أن قضايا العقود ينبغي أن تكون قائمة على مبدأ التعادل في التبادل ومبدأ الموازاة في العوضين، ومبدأ الأخذ بمعيار المماثلة والمساواة. وهذا صحيح، ولذلك كان الشرع في هذا حكيمًا في تقرير المثلية (الذهب بالذهب، إلى أن قال: مثلًا بمثل ويدًا بيد) ويريد من فرض معنى المثلية هو تحقيق الحق وسد كل أوجه التلاعب والادعاءات حتى لا يفتح مجالًا للناس في منافذ يصلون بها إلى الربا بنواحٍ مختلفة أو مفتعلة أو لها بصيص من الأمل في السوق الحاضرة. فلذلك المثلية في الحقيقة هي يراد بها إحقاق الحق وإلزام الناس بالعدل. والمثلية ذات معنى وليست مجرد شكل أجوف، والعبرة دائمًا في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني. ومن هنا أنا أصر على أن معنى المثلية التي يجب فيها أداء المقترض للمقرض إنما هو من أجل تحقيق العدل ومنع الجور، ومنع الاستغلال. وإذا كان هذا هو المعنى الذي يقوم عليه تحريم الربا، وهذا هو المعنى الذي –أيضًا- ورد النص في الربا على هذا النحو، لذلك فإن الفقهاء –في الحقيقة- وجمهورهم لا شك، أن المذاهب الأربعة تقرر ضرورة أداء المقترض للمقرض أن يؤدي ما أخذه جنسًا ونوعًا مقدارًا وصفة. هذا لا اعتراض لنا عليه، وإنما هناك أيضًا جانب آخر من القضايا وهي أن الفقهاء في الواقع اختلفوا حول هذه المسألة، ونحن صدرت لنا قرارات في هذا المجمع وأخذنا برأي بعض الفقهاء وتركنا الجمهور. فإذا الغضاضة في احتمال أن نخالف رأي الجمهور؛ لأنه لم يكن سائرًا على وتيرة واحدة في منهج قرارات هذا المجمع، وأخيرًا منها مثلًا قضية العربون في بروني. الذي يقر هذا المبدأ هم الحنابلة وأخذ بذلك وترك مذهب جمهور العلماء. كذلك قضية (ضع وتعجل) أخذ برأي الحنابلة وترك ما عليه أغلب العلماء من أن هذا يعد منفذًا للربا. فإذن نحن لا ضير علينا ولا نغض من شأن الفقهاء واعتباراتهم ولا نحاول أن ننقلها بشكل متعسف، فالفقهاء قرروا هذا وهم الأغلبية إلا أن هناك أيضًا بعض الفقهاء في المذاهب المعتمدة، في مذهب المالكية وفي مذهب الحنابلة وفي –أيضًا- رأي أبي يوسف في الكساد فيها واضح وإن لم ير بعض إخواننا أن هذا ينطبق على النقود الورقية، في الحقيقة هذا نخالف فيه والواقع أن هذا المعنى الذي يراه أبو حنيفة وهو كان قاضي القضاة في عصره ويرعى ويعرف ما عليه حال المسلمين وحال الناس، هذا كان بحثي في الماضي وليس جديدًا الآن، هو ضرورة الأخذ بهذا الاتجاه الثاني. وإن لم يكن رأي الأغلبية.

المسألة الثانية: ما معنى النقود الورقية في الوقت الحاضر؟ النقود الورقية في الوقت الحاضر ما هي إلا قيام هذه الدولة بطبع أوراق مراعية في ذلك في الماضي ما كان عندها من رصيد ذهبي والآن سحب الرصيد الذهبي في أن يكون غطاء للأوراق النقدية وأصبح جملة الإنتاج في الدولة وصادراتها وإنتاجها هو المقوم لعملة هذه الدولة. فهذا معنى النقود الورقية. وحينئذ ما دام هذا هو المعنى فالواقع نحن مع معالجة قضية التضخم ولكن بالاعتماد على ما تقوم به البنوك المركزية من تسعير هذه العملة الورقية المحلية في هذه الدولة. هذا التسعير في الواقع هو ملزم. فالقضية اعتبارية وليست قضية ذاتية في قضية النقود الورقية ونقيسها على الذهب والفضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>