خامسًا: النظر إلى اعتبار تنصيف الفرق الفاحش في الأسعار إذا لم يكن هناك اتفاق مسبق وذلك حسب ما ورد في بحث فضيلة الشيخ الزرقا.
سادسًا: أن تكون المعالجة شاملة لكل حالات الالتزام وعدم الاقتصار على أداء المدينين للدائنين، كما بحث ذلك الأخ الدكتور السالوس وفضيلة الدكتور الشاذلي.
النقطة الأخيرة هنا، من واقع المناقشات أن التفرقة يجب أن تكون منظورًا لها بين القرض الحال الذي يملك فيه المقرض أن يأخذ أو يسترد أمواله كالحساب الجاري وبين القرض المرتبط بزمن. ففي القرض الحال هناك تراخ من صاحب الحق في أنه لا يسترد ماله ويعيده إلى القيمة أو يحافظ على قيمته أما القرض الزمني فهو مرتبط بأن يستوفى بعد مرور مدة من الزمن. وشكرًا لكم.
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،
أشكر لكم الإخوة الذين تقدموا بعروضهم في هذا الموضوع وإن كان للمرة الثالثة بالإضافة إلى الندوات التي عقدناها في هذا الغرض ولم تنته إلى نتيجة، وسوف يكون هذا الموضوع مستمرًا معنا ما دام التضخم قائمًا. والذي أريد أن أشير إليه أن كل إخواننا من الذين تفضلوا بالمناقشة على حق، ولا أقول لأحد منهم بأنه قد أخطأ، هذا لا يجوز لا فقهًا ولا عقلًا ولا تدبيرًا، ولكني ألاحظ أن أكثر الأوراق أشارت إلى منهجين في حل هذه القضية، المنهج الأول هو الرأي الذي يقول برد المثل من غير التفات إلى ما حصل من انقطاع العملة أو كسادها، وهذا الرأي لا يمكن القياس عليه بحسب ما استمعنا من الملاحظات والمناقشات إلى آخره، لا يمكن أن يقاس عليه حكم النقود الورقية لاختلافها عن النقود الذاتية من وجوه كثيرة وقع شرحها والتنويه بها. وأما الرأي الثاني فقد وقفنا في هذه الأوراق المقدمة إلينا على أن طائفة من العلماء ومن الفقهاء في مختلف المذاهب أخذت به، فأقل هؤلاء في الاتجاه الذي مالوا إليه: إن انقطعت فلوس قضى قيمتها. وهذا كلام سحنون وكلام أشهب، وقال ابن شاس: إذا كانت الفلوس من بيع فعلى المبتاع قيمة السلعة. وهذا الرأي اشتهر في القرن الخامس كما جاء في ورقة فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي، اشتهر في القرن الخامس وكانت به الفتوى في بعض الأمصار، ذلك أن الدائن عمر ذمة المدين بشيء منتفع به –أي له قيمة- وقت العقد، فإذا تلفت قيمته فإنه يكون من العدل أن يعيد للدائن نظير ما أخذه منه، ولا يتحقق ذلك بالعدد الظاهر ولكن بالقيمة النفعية التي كانت وقت العقد، فإذا بقيت السكة رائجة على حالها بمعنى على قيمتها كان العدل أن يأخذ بنفس السكة، وإذا انقطعت وحولت أو تحولت أخذ قيمتها من السكة الجديدة حتى تكون هذه السكة المحدثة التي يتقاضاها عن دينه تمكنه مما كان يتمكن منه من السكة القديمة.
ثم وجدنا أن الأوراق التي عرضت علينا تناولت من طرف الاقتصاديين والفقهاء جميعًا اعتبار النقود الورقية التي أصابها تغيير فاحش محمولة في اعتقادهم وفيما قرروه بما يلحق النقود من الكساد، ونبهوا على مواقف كثير من علماء المذاهب من هذه المسألة، فقالوا بالقيمة وبمراعاتها في المتماثلات؛ لأن المثلية لا تتحقق على الوجه الصحيح إلا بالتساوي فإن المالين إنما يتماثلان إذا استوت قيمتهما، وأما مع اختلاف القيمة فلا تماثل، وأوردوا في هذا المجال كلام الرهوني من المالكية وكلام ابن تيمية وابن القيم من الحنابلة، وأقوال أبي يوسف ومحمد من الحنفية، وتبين من مجموع ذلك أن القول بوجوب أداء قيمة النقد الذي طرأ عليه الغلاء أو الرخص يوم ثبوته في الذمة هو الأولى بالاعتبار؛ لأنه الأقرب للعدالة والإنصاف، ولأن فيه رفع ضرر عن كل من الدائن والمدين ولاحظ هؤلاء الإخوان بأن هذا الحكم أو هذا الاتجاه يرجع بنا إلى تحكيم القاعدة العامة الشرعية التي تقول:" لا ضرر ولا ضرار " ورغم جموح غالب الدراسات إلى هذا الرأي والاتجاه الذي لاحظنا فإن بعض الإخوان خلطوا هذا الموضوع بقضايا أخرى تتصل بأسباب التضخم وأرادوا أن يبحثوها ولكن الوقت لا يتسع لذلك، وأنا أعلم وأتأكد بأن الحكم لا يكون حكمًا نهائيًّا إلا بربطها بهذه الأسباب ومعرفة طريق الخروج من هذه النتائج السلبية التي حصلت للتضخم، وقد طرحت بعد ذلك أوجه كثيرة في التقويم. إذا نحن ملنا إلى القيمة فما هو طريق تقويم هذا الفارق إذا كان كبيرًا، إذا كان فاحشًا؟ فعرضت علينا صور متعددة، وهذه الصور المتعددة تناولت بغير شك في المحل الأول الرجوع إلى الذهب باعتباره هو الأكثر استقرارا وثباتا، والرجوع إلى سلة السلعة وهذا معتمد في كثير من الدول، وبعضهم يقول: ينبغي الاتفاق على طريقة في البيوعات أو المعاملات المستقبلية حتى لا يكون الطرفان على رضا بما يريدان أن يصلا إليه عند الحكم في هذه القضايا. ثم جاءتنا الورقة التي وقع التنويه بها كثيرًا والتي أشار إليها أكثر من واحد وهي قضية الطوارئ العارضة التي تقتضي في نظرهم أن الأمر ينبغي أن يكون مناصفة بين الدائن والمدين حتى لا يتضرر أحدهما. وهذه الفتوى التي صدرت في الظروف الطارئة التي أخذ بها مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة في دورته الرابعة، وذلك من نحو ثلاثة عشر عامًا اعتمادًا على ما استند إليه من الأدلة الشرعية في ذلك الوقت.