٢- أن تكون الذريعة المؤدية إلى المفسدة مصلحة في حد ذاتها ومشروعة.
وهذا النوع من الذرائع على مراتب بقدر المفسدة التي قد تفضي إليها، واعتبار قصد الفاعل للمفسدة وعدمه، وبالتالي يختلف بالنظر الفقهي إليها سدًا وفتحًا، وقد فصل ابن القيم مراتب هذا النوع من الذرائع وأقسامه وذكر حكم كل مرتبة منها، فهو بعد أن ذكر حكم الوسائل التي تفضي إلى المفاسد وحكمها، تكلم عن النوع الثاني من الذرائع، والتي تكون موضوعة للإفضاء إلى أمر جائز أو مستحب، فيتخذ وسيلة إلى المحرم إما بقصد من الفاعل أو غير قصد منه، ورتبها كما يلي:
١- ما كان موضوعًا للإفضاء إلى أمر جائز فيتخذه الفاعل وسيلة للمحرم، وذلك كمن يعقد النكاح قصدًا به التحليل أو بعقد البيع قاصدًا به الربا أو يخالع قاصدًا به الحنث ونحو ذلك.
٢- ما كان موضوعًا للإفضاء إلى أمر مستحب فيؤدي إلى محرم، كمن يصلي تطوعًا بغير سبب في أوقات النهي أويسَبِّ أرباب المشركين بين أظهرهم، ونحو ذلك.
وهذا النوع من الذرائع يتفرع إلى فرعين: أحدهما أن تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته. والثاني أن تكون مفسدته راجحة على مصلحته.
ثم يمضي ابن القيم قائلًا: إن الشريعة قد منعت كل وسيلة مفضية إلى مفسدة سواء كانت بحد ذاتها مفسدة أو مباحة، وأجازت الوسيلة المباحة وإن كانت تفضي إلى المفسدة أحيانًا إلا أن مصلحتها أرجح من مفسدتها، وذلك كالنظر إلى المخطوبة والمستامة والمشهود عليها، فإن النظر وإن كان يؤدي إلى محرم أحيانًا بأن تصاحبه الفتنة، إلا أن مصلحة الخاطب والمشتري والشاهد تستدعي النظر إلى المرأة فمصلحة النظر هنا أرجح من مفسدته، ثم بقي النظر والخلاف قائمًا في الوسيلة الموضوعة للمباح ويقصد بها التوصل إلى المفسدة، وكذا بالنسبة للوسيلة الموضوعة للمباح أيضًا من غير قصد التوصل بها إلى المفسدة لكنها مفضية إليها غالبًا ومفسدتها أرجح من مصلحتها (١) .