للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقارنة بين الذرائع والحيل الفقهية:

قلنا فيما مضى إن الذريعة بالمعنى الخاص، تعني التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة.

أما الحيلة فكما عرفها ابن القيم هي (نوع مخصوص من التصرف والعمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال) (١) . وقد غلب استعمالها عرفا في سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه، بحيث لا يفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة. كما أن الغالب على الحيلة في عرف الناس هو استعمالها في التوصل إلى الغرض الممنوع منه شرعاَ أو عقلًا أو عادة، وهذا في استعمال المطلق في بعض أنواعه كالدابة والحيوان وغيرها (٢) .

وحقيقة الحيلة عند الشاطبي هي: " تقديم عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعي وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر (٣) " ويضيف قائلًا: " إن مآل العمل في الحيلة خرم قواعد الشريعة في الواقع".

ولدى النظر في تعريف ابن القيم للحيلة وتعريف الشاطبي لها، يتضح لنا أن الحيلة بالمعنى العام لها تلتقي مع الذريعة من حيث إنه يتوصل بكل منهما إلى غرض معين، دون أن يحدد نوع هذا الغرض، ويختلفان عند ما تخص الحيلة في استعمالها العرفي على نوع خاص التصرف وهو استعمالها في التوصل إلى الغرض الممنوع منه شرعًا أو عقلًا أو عادة. فاختصاص الحيل بخرم قواعد الشريعة خاصة، تكون أخص من الذريعة على هذا الاعتبار، كما يظهر الفرق بين الاثنين، أن الذريعة لا يلزم فيها أن تكون مقصودة، والحيلة لا بد من قصدها للتخلص من المحرم. والحيلة تجري في العقود خاصة، والذريعة أعم، على أن المتتبع لما ذكره ابن القيم، يجد أن هناك تداخلًا بين الاثنين، فهو عند ضربه مثلًا لنوع معين من بيوع العينة يذكره أحيانًا في باب سد الذرائع ويذكره في باب الحيل مرة أخرى، والحيل منها ما هو جائز شرعًا، كالنطق بكلمة الكفر إكراهًا عليها.

ومنها ما هو المحرم شرعًا، كالواهب ماله عند رأس الحول فرارًا من الزكاة، وهذا هو المعنى الخاص للحيلة الذي تفترق به عن الذريعة.


(١) إعلام الموقعين ٣/ ٢٤٠
(٢) إعلام الموقعين ٣/ ٢٤٠
(٣) الموافقات ٢/٢٠١

<<  <  ج: ص:  >  >>