لا خلاف بين العلماء، أن ما جاء به نص من قرآن أو سنة أو ثبت فيه إجماع من هذا الأصل، فلا كلام فيه لثبوته بدليل صحيح، وعلى كل فقيه أن يعمل به. من ذلك قول الله تعالى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الأنعام: ١٠٨] .
فقد نهى الله المؤمنين أن يسبوا أصنام المشركين، وهو في ذاته أمر جائز، بل مطلوب لأنه تحقير لشأن المشركين وإذلال لهم بتهوين ما عظموا، نهاهم عن ذلك لئلا يكون ذريعة إلى سب المولى سبحانه وهو من أكبر المفاسد.
وقوله تعالى {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}[النور: ٣١] . فقد نهى الله عز وجل النساء أن يضربن بأرجلهن في مشيتهن ليسمع الرجال صوت خلخالهن؛ لأن هذا ذريعة للفت نظر الرجال إليهن, فيكون ذلك مدعاة لإثارة الشهوة. ويقاس عليه كل فعل يثير الفتنة كالتزين الفاضح وترقيق الصوت والتعطر عند الخروج من المنزل.
وفي ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة أم المؤمنين:((لولا حداثة قومك بالكفر، لنقضت البيت ثم بنيته على أساس إبراهيم)) ، فقد امتنع عن هدم البيت وبنائه على قواعد إبراهيم الأولى التي رسمت له بطريق الوحي مع ما فيه من المصلحة؛ لما يترتب عليه من نفرة العرب في هذا العمل لقرب عهدهم بالجاهلية.
ولما طلب من رسول الله قتل بعض المنافقين وقد بدا منهم ما يوجب القتل، قال:" أكره أن يتحدث العرب عنا أن محمدًا قاتل بقوم حتى أظهره الله تعالى بهم ثم أقبل عليهم بقتلهم" وفي رواية " أخشى أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه ". فقد امتنع رسول الله عن قتلهم مع أنه مباح وفيه خلاص الأمة من جماعة طالما آذت المسلمين، ولكنه تركه لما يترتب عليه من مفسدة أكبر، وهي أن قتلهم ينفر الناس من الإسلام إذا سمعوا أن رسول الله يقتل أصحابه، وقد عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده بهذا الأصل فأجمعوا على قتل الجماعة بالواحد، وقد حكموا بتوريث المطلقة بائنا في مرض الموت (١) .
فما كان من هذا القبيل من الذرائع فلا نزاع فيه بين العلماء، ولكن هل نقف عند هذا الحد ونبقي الباب مفتوحًا للمجتهدين ليعملوا به فيما استجد من مسائل؟.